ليست هذه هي المرة الأولى التي تلعب فيه السعودية دور الوسيط في النزاعات الإقليمية والدولية، فقد قامت المملكة العربية السعودية بهذا الدور عبر القيام بعدة وساطات، لم يكن أولها وساطتها التاريخية في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت قرابة خمسة عشر عامًا عبر توقيع اتفاق الطائف الذى أنهى الاقتتال بين الفرقاء المتنازعين في لبنان عام 1989 ولم يكن آخرها جهودها الخيرة لإنهاء الاقتتال الداخلي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في السودان، وسنلاحظ دائمًا أن المملكة تتريث في التدخل معطية الفرصة لأطراف خارجية عدة للتوسط من أجل حل الخلافات، وعندما ترى أن جميع تلك الوساطات فشلت في التوصل إلى حل تقوم هي بدور الوسيط، والذي ظل يتسم بالحيادية والإيجابية والحلول الوسطى التي يرضى بها طرفا النزاع، بما جعل هذا الدور ينجح في كثير من الأحيان، وهو المؤمل في مؤتمر جدة للسلام الذي تحتضنه جدة في الخامس والسادس من الشهر الجاري، ويأتي بعد الجهود التركية للوساطة والتفاوض منذ بداية الحرب، وكذلك المبادرات الصينية والأفريقية ومن أمريكا اللاتينية.
ويكتسب هذا المؤتمر أهمية خاصة، رغم غياب موسكو، فهو يأتي في توقيت تزداد فيه حدة هذه الحرب التي طالت كثيرًا عن سياقها الزمني، والتي لا يبدو حتى الآن أي أفق لقُرب نهايتها في ظل فشل محاولات التفاوض بين موسكو وكييف، كما أن حجم المشاركة في المؤتمر عكس توجهًا دوليًا واسعًا ينشد وقف حرب أرهقت العالم، وسلامًا يُعيد الاستقرار إلى العلاقات بين الدول والأمن إلى اقتصاداتها وأسواقها الغذائية. كما يأتي عقد المؤتمر بعد نحو شهرين من دعوة المملكة الرئيس الأوكراني للمشاركة في القمة العربية في جدة بناءً على طلبه، وعقده الآمال على دور سعودي فعال ينهي نزيف الدم في كل من أوكرانيا وروسيا، استنادًا إلى الموقف السعودي الحيادي، ورفض الرياض اعتداء أي دولة على دولة أخرى ذات سيادة
كما يأتي عقد المؤتمر بعد قرار موسكو وقف العمل باتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية. أما الأهمية الكبرى للمؤتمر فتنبثق من كونه يعقد برعاية المملكة العربية السعودية بحضور ومشاركة ما بين 40-50 دولة، على مستوى مستشاري الأمن القومي وكبار المسؤولين السياسيين. ويعول العالم كثيرًا على نجاح هذا المؤتمر كونه يعقد في المملكة العربية السعودية، التي تعتبر دولة لها ثقلها ومكانتها الدولية، من منطلق قيادتها للعالم العربي والإسلامي، وموقعها العقدي كقبلة للمسلمين من جميع أنحاء العالم، ومكانتها الدولية وموقعها المهم على خريطة العالم الاقتصادية والجيوسياسية، إلى جانب ما هو معروف عنها من قبل المجتمع الدولي بأنها دولة محبة للعدل و للسلام، وتسعى بكل ما يتوفر لها من جهد لإنهاء النزاعات الدولية بالطرق والأساليب السياسية والسلمية، ونبذ الحروب والصراعات الدولية ورفض الاحتلال وضم أراضي الغير بالقوة. المؤتمر – استنادًا إلى ما سبق – لا بد وأن يحقق نتيجة إيجابية أقلها الضغط على روسيا لإظهار سياسة أكثر مرونة تجاه أزمتها مع أوكرانيا.