انسحبت مركزية الدولة من الجزيرة العربية إلى الكوفة في عهد الإمام علي بن أبي طالب، حين اتخذ منها عاصمة للدولة الإسلامية، وانتقلت بعد ذلك إلى الشام في عهد معاوية بن أبن سفيان والدولة الأموية، وأدى ذلك إلى غياب المركزية عن الجزيرة العربية، تواصل ذلك حتى قيام الدولة السعودية الأولى في الدرعية؛ حينها عادت للجزيرة العربية مركزيتها وتأثيرها، وعند النظر إلى الوثائق التي تزامنت مع الدولة السعودية الأولى؛ وخاصة في مجال العقارات نجد أنها تطرقت إلى البيوع والتنازلات، والأوقاف والوصايا، وحصر الورثة، والمغارسة، والهبة، والمناقلة، والإجارة، والاستعارة، وغيرها، واستخدمت فيها أنواع مذكورة من العملات، منها: “الأحمر” وهي عملة ذهبية عثمانية كانت متداولة آنذاك، ويتعامل بها، وكذلك “المحمدية” و”المشخص”، و”الحرف”، و”الطويلة”، و”البارة”، و”الملحق”، و”الزر”، و”التومان”، وهي: عملة فارسية ومحدودة في التعامل، كذلك “المجيدي” وهي من العملات التي ظهرت متأخرًا عام ١٢٣٧هـ، وسميت بذلك نسبة إلى السلطان عبد المجيد، ولا شك أن هذه العملات كانت متفاوتة في قيمتها واستخداماتها، وقد تطرقت المراجع الفقهية لفقهاء تلك الفترة إلى مقدارها، وما تساويه من مقادير الذهب والفضة، وذكر أغلب ذلك في أبواب الزكاة على وجه التحديد، تبين أيضًا أن التوثيق لم ينقطع في البيوع بالجزيرة العربية سواء إبان الدولة السعودية، أو قبلها، ومن الأمثلة على ذلك: “وقف صبيح” والذي أوقف في “أوشيقر” عام ٧٤٧هـ، وقد تحدث عنها الأستاذ عبد الحميد بن عبد العزيز في كتاب تطرق إلى أركان الوثيقة، وما يتعلق بها باعتبارها من أهم الوثائق النجدية وأقدمها، وقد جرت العادة في ذلك الزمن أن يكون في القرى والمناطق قضاةٌ شرعيون للمصادقة والإشهاد على هذه العقود، وحينما استتب الأمر للدولة السعودية الأولى، أصبح تولية هؤلاء القضاة على القرى والمناطق يصدر من الدرعية، ويكون لكل قاضٍ عدد من الكتاب الذين يتولون مهمة كتابة ما يُطلب منهم، – وهو ما بقي حتى عصرنا الحاضر حيث يوجد قضاة وكتّاب عدل -، وفي بعض القرى التي لا يتواجد فيها القضاة، كانت المناقلات والبيوع تكتب عند الكتاب المعتمدين من القضاة ومن ثم يطلع عليها القضاة للمصادقة والاعتماد.
0