توافق رحيل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز مع إعلان البيعة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -يرحمهما الله- الذي دشَّن عهدًا جديدًا في المسيرة السعودية المباركة انتقلت المملكة خلالها إلى عهد التميز والقفز إلى آفاق رحبة في التقدم والرخاء.
لقد كانت العلاقة بين الملك عبد الله وشعبه مبنية على الحب المتبادل والمشاركة بما ينفع الوطن والمواطن، والشراكة في العمل معًا من أجل المصلحة العليا للوطن، ولقد عاش الملك عبد الله في فضاء اتسع لكل إشارة حب؛ حيث حرص دومًا على أن يضع هذا الشعب في المكان والمكانة اللذين يستحقهما ضمن سعيه الدؤوب نحو تحقيق آمال شعبه وتطلعاته.
وعندما نذكر علاقة المحبة القوية التي تربط الملك عبدالله لشعبه، فلابد وأن نذكر بهذا الصدد زيارته الكريمة للأحياء الفقيرة في الرياض، ومنذ يونيو 1982م عندما عُين وليًا للعهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء، مع استمراره رئيسًا للحرس الوطني وعلى مدى ما يقارب من ربع قرن، كان عبد الله بن عبد العزيز يشارك أخاه الملك فهد بن عبد العزيز ويؤازره ويعضده بنكران ذات وإخلاص منقطع النظير في بناء النهضة الحضارية الشاملة التي كانت تشهدها المملكة.
وقد عرف الملك عبد الله بأنه قليل الكلام وكثير العمل، لا يقول إلا ما يفعل، شيمته الوفاء إذا عاهد، ولا يعد إلا بصدق، بسيط، وقور، عميق الإيمان بالله متوكل عليه، من أوسع قادة الدول صبرًا، كاظم للغيظ، حكيم، حليم، يلتمس للناس العذر ما استطاع لذلك سبيلًا.
ولقد عمل الملك عبد الله منذ أن كان وليًا للعهد على خدمة دينه ووطنه، والإخلاص لشعبه وأمته، ومحبة الإنسانية جمعاء حتى أصبح يعرف على مستوى العالم بأنه “ملك الإنسانية”. وقد اكتسب جلالته بهذه الشخصية الإنسانية والقيادية محبة شعبه السعودي، وأمتيه العربية والإسلامية، وتقدير شعوب العالم شرقه وغربه. كما كسب احترام زعماء العالم، الذين اتفقوا معه ولم يتفقوا معه على حد سواء، وذلك لما عرفوه عنه من التزام الصدق مبدأ، والشفافية أسلوبًا، والثبات على الحق منهجًا. ويعتبر تدشين نظام هيئة البيعة الذي يختص بعملية تداول السلطة وانتقالها داخل الأسرة السعودية المالكة من أبناء الملك المؤسس وأحفاده أول إنجاز للملك عبد الله على صعيد الداخل.
وعندما نذكر الملك عبد الله، فإننا نذكر الحرس الوطني، والجنادرية، ومؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين، والمبادرات الإنسانية (والتي يأتي على رأسها دور المملكة الريادي في عملية فصل التوائم التي أجريت للعديد من الجنسيات). وتجدر الإشارة هنا إلى أن الملك عبد الله صنع من مهرجان الجنادرية ملتقى حضاريًا للحوار الثقافي يبرز الوجه العروبي والإسلامي للمملكة أمام العالم، وقد أبدى جلالته حرصه الشديد على تمكين المرأة من خلال مشاركتها في الحوار الوطني ودخولها مجلس الشورى ووزارة الخارجية وحملها للبطاقة الشخصية واستغنائها عن الوكيل الشرعي. ويقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز-رحمه الله- خلف إنشاء العديد من المدن الاقتصادية والرياضية، والعديد من الجامعات، وعشرات المشروعات الضخمة التي لعبت دورًا كبيرًا في نمو الاقتصاد الوطني.
كما يُعتبر الملك عبد الله بن عبد العزيز-رحمه الله- رائد الحوار الوطني، وصاحب الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر، والإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وجمعيات حقوق الانسان، والمؤتمر الإسلامي العالمي للحوار بين المذاهب الإسلامية، ومؤتمر مدريد العالمي للحوار بين الأديان.
ولا بد من الإشارة إلى أن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين كان في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز -يرحمه الله-.
واستطاعت المملكة في ذلك العهد أن تحقق انتصارًا حاسمًا على الإرهاب من خلال تطبيق استراتيجيتها العامة في مكافحة الإرهاب التي حققت نجاحًا ملموسًا في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي هددت المجتمع الدولي بأسره، واعتبرت التجربة السعودية في مكافحة الإرهاب تجربة معيارية أخذت بها العديد من دول العالم. لقد طلب منَّا جلالته أن لا ننساه من الدعاء، وها نحن ندعو له بالمغفرة والرحمة، وأن يجعل الله الجنة مثواه.
0