مما دفعني للكتابة عن عالم الحيوان بعض المقولات التي قيلت من أصحابها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهي:
المقولة الأولى: “عندما نكبر في العمر لا نحتاج إلى من يحبنا فقط بل إلى من يفهمنا ويحترمنا ويقدر ذاتنا. نحتاج علاقات تسمح لنا أن ننام بهدوء وراحة بال؛ نحتاج أشخاصًا نشعر بوجودهم بأمان؛ لا نخاف أن يفهمونا خطأ ولا نخاف خسارتهم؛ نستحق علاقات مُريحة دون أسئلة تقلقنا ولا أجوبة تحيرنا. نحتاج إلى علاقات تجعلنا نبتسم في أصعب الأوقات؛ في الخيبات تجعلنا نتصالح مع ذاتنا؛ تجعلنا نعيش الحب لكل شيء لنرى ما حولنا جميلًا”.
المقولة الثانية:
“كم تغافلت عن أشياء كنت أعرفها وكم تجاهلت قولا كان يؤذيني وكما أقابل شخصًا من ملامحه أدري يقينا وحقًا لا يدانيني وكم تغاضيت لا جبنا ولا خورا هي المروءة من طبعي ومن ديني جازيت بالطيب كل الناس مجتهدا لعل ربي عن طيبي سيجزيني”.
المقولة الثالثة:
“أكثر شيء يخليني فخور بنفسي أني ما بنيت علاقاتي مع الآخرين على مصالح أو استغليت أحدًا، ولذلك أنا أغلب وقتي أكون لحالي، لأني ما أعرف أجامل، إذا حبيت، حبيت من قلبي، وإذا أعطيت أعطي ولا أنتظر من أحد ردًا، وإذا صادقت شخصًا أو حبيته كنت له كل شيء، وإذا غلطت أعتذر، وإذا توجعت أمشي ولا أنتظر ولا أعاتب”.
لان العلاقات الإنسانية يشوبها ما يعكر صفوها من أحد الطرفين في ظل انعدام الإخلاص منهما أو من أحدهما إما لقيامها على مصالح تنتهي العلاقة بها أو لانعدام قيام العلاقة على المبادئ التي تعمل على العلاقات المستدامة. فتذكرت عالم الحيوان وما لديهم من أخلاق تفوق في بعض جوانبها ما لدى الإنسان لأن بعض علاقاتها مع بعض البشر تقوم على مبادئ من سلوك الحيوان رغم ما يُشاع عن عالم الحيوان من أنهم يعيشون في عصر الغاب والقوي منه يأكل الضعيف، ولكن هناك حقيقة عنهم وهي أن الحيوان لا يضر صاحبه إلا في أسوأ الأحوال ويكون فيها مضطرًا، ولسبب ما، عكس بني البشر يؤذي تطوعًا وليس مضطرًا لذلك، ومن هنا نجد بعض الحيوانات تتعامل مع الإنسان بسلوك راقٍ خاصة إذا حدثت الألفة بينهما وبين الإنسان وهي تتخلى عن شراستها وقوتها من أجل المحافظة على علاقتها بالإنسان، وتحفظ الجميل وتقابله بالولاء والوفاء والإخلاص والتضحية.
وهي تعلمنا الصبر والمثابرة لأنها غرائز طبيعية للحيوانات. سواء كانت لبؤة تبحث عن فريسة، أو كلبًا (أكرمكم الله) ينتظر رمية لعبته المهمة، فإن صبرها ومثابرتها هو نفسه. الحيوانات لا تستسلم أبدًا حتى تحصل على ما تحتاجه. وكأنها تقول لنا: استمروا في المحاولة حتى تحصلوا على ما تريدون بشكل صحيح. كما يمكن أن يحدث حب حقيقي بين الإنسان والحيوان ابتداءً من الحيوانات الأليفة أو تلك الشرسة التي يحدث الحب بينها والإنسان كنتيجة للتقدير والامتنان الذي قدمه الإنسان لها، فتتخلى عن صفاتها المؤذية لمن أحبته من بني البشر. وكما قيل: “من الصعب أن تغير طبائع البشر، لكن من السهل صنع مسافات متباينة، كل يقترب منك بقدر تألفك معه. وطول المسافة لا تعني سوء المعاملة، لكنها تعني تجاوز مع تكرهه من طباع، والاكتفاء بالعلاقة الطيبة”.
وتقدم لنا الحيوانات دروسًا من حياتها لنستفيد منها في حياتنا:
فالكلب (أكرمكم الله) يعلمنا الإخلاص والوفاء لمن نحب، ويعلمنا الفيل أنه مهما كنت قويًا يجب أن تكون رؤوفًا. ويعلمنا الذئب أن نفكر مليًا قبل اتخاذ القرار؛ ويعلمنا القرد أن نعيش اللحظة ونستمتع بها لأقصى حد؛ ويعلمنا الدلفين أن نتحدث قليلًا ونستمع كثيرًا؛ ويعلمنا الجمل أننا نحتاج إلى معرفة كيفية البقاء على قيد الحياة في أصعب الظروف؛ ويعلمنا الفهد ألا نعلن أبدًا عن تحركاتنا قبل أن نقوم بها؛ ونتعلم من العنكبوت ألا نستسلم حتى لو حاول الناس إسقاطنا؛ ويعلمنا الحمار وهو مدرسة في الصبر أنه مهما كانت الحياة صعبة، أن نحافظ على هدوئنا في تعاملنا معها. ويعلمنا الحصان أن نقف شامخين وفخورين بأنفسنا؛ ويعلمنا الدب الاستمتاع بالحياة مهما كانت الظروف؛ ويعلمنا التمساح أن نثق بمميزاتنا وأن نعمل بها؛ ويعلمنا النمل أن ندخر دائمًا ليوم الشدة؛ ويعلمنا الخروف أننا نحتاج جميعًا إلى تقديم تضحيات في الحياة للآخرين؛ ويعلمنا النمر أن نحرص على مراقبة أهدافنا؛ ويعلمنا الأسد أن نعمل بجد ونبقى متواضعين؛ وغيرها يعلمنا أن نكون على ما نحن عليه وأن نفتخر بأنفسنا، ويمكن أن نخرج من عالم الحيوانات بمدرسة للسلوك الإنساني، حتى إن البعض ممن يعجب بسلوك الحيوانات يقول: قليل من الحيوانية يا بني الإنسان.
عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام – جامعة أم القرى
0