المقالات

الأفعال الشنيعة بحرق المصحف الشريف ومركز الملك عبد الله للحوار بين الأديان

طالعتنا وسائل الاعلام العالمية- مع تركيز محلي لا أظنه يكفي لحجم الحدث- بظاهرة حرق المصحف الشريف في السويد الدولة الأوروبية التي تكاد تكون منعزلة. وتشير إحصاءات إلى أن أكثر من نصف هذه الدولة لا دينيون، وتوجد نسبة كبيرة فيها للمسيحيين، أما المسلمون فيها فأقلية حيث يبلغ تعدادهم قرابة المئتين ألف مواطن فقط، وهم يقيمون فيها كمهاجرين. إن ما يحدث في السويد وأوروبا عمومًا في فترات متباعدة أمر محير ولافت للنظر. وقبل السويد سمحت الدنمارك وهولندا ببث أفلام ونشر رسومات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. والآن تسمح السويد لمجموعة من المتطرفين بحرق المصحف الشريف وهو كتاب سماوي مقدس يمثل دينًا سماويًا يعتنقه أكثر من مليار ونصف مسلم. وفي كل محاولة اعتداء تظهر أوروبا بوجه عنصري بغيض يتعارض مع قيم الحرية والديمقراطية التي يتشبثون بها واحترام التعددية الثقافية التي لا نجد لها أثرًا في سلوكيات الغرب وتصرفاتهم، وكل ما هنالك نظريات يضج أسماعنا بها كل حين.
وفي هولندا وقبل أقل من أسبوعين، مزق زعيم حركة متطرفة مناهضة للإسلام نسخة من القرآن الكريم في مدينة لاهاي، جاء ذلك بعد يومين من قيام متطرف سويدي بحرق المصحف الشريف قرب سفارة تركيا في العاصمة السويدية ستوكهولم. وحسب ما تداولته وسائل إعلام، فإن الشرطة الهولندية منحته الإذن بهذا الفعل شريطة ألا يحرق الكتاب المقدس للمسلمين، إلا أنه قام لاحقًا، كما ظهر في الفيديو، بحرق صفحات المصحف الممزقة.
وتتنافى هذه التصرفات المشينة مع القيم الإنسانية والشرائع السماوية عمومًا؛ والمؤسف أنها تصرفات تصدر في دول تدعي الديمقراطية وحرية المعتقدات واحترام قيم المواطنة والتعايش، وتحت سمعها وبصرها. بل يمكن القول إن هذه التصرفات تحدث بمباركة أصحاب القرار في هذه الدول، ودليلنا على ذلك أن الأوروبيين يهتفون جهرًا وبوضوح ضد أسلمة الغرب في هولندا والسويد. وتظهر صور الشرطة الرسمية وهي تقدم الحماية لمن يقومون بهذه الأفعال؛ فعلى سبيل المثال، من قام بحرق نسخة من القرآن قرب سفارة تركيا في ستوكهولم، كان يفعل ذلك وسط حماية مشددة من الشرطة التي منعت اقتراب أي أحد منه في أثناء قيامه بذلك الفعل الدنيء.
ولا تعجب بعد ذلك من إثارة غضب المسلمين وسخطهم ومن إدانات الدول العربية والإسلامية لذلك الفعل والتي اعتبرته عملًا استفزازيًا لمشاعر مليار ونصف المليار مسلم. وترشح معلومات عن نية عدد من الدول الإسلامية، بلغت120 دولة، رفع دعاوى أمام المحاكم لاتخاذ موقف ضد الاعتداءات على الإسلام ورموزه.
والمؤسف أيضًا، أن هذه الاعتداءات تتكرر على نحو لافت، وتؤجج الصراع الثقافي والحضاري بين الإسلام والغرب. وعلى صعيد ردود الفعل الرسمية تجاه هذا التصرف يمكن الإشارة إلى رد وزارة الخارجية السعودية الرافض لكل المحاولات المسيئة للقرآن الكريم، وجاء هذا الرد على لسان وزير الخارجية السعودية الذي طالب أيضًا “باتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الأعمال المتطرفة التي تحاول النيل من الكتب السماوية، وتستفز مشاعر المسلمين حول العالم “.كما أدانت كل من منظمة تحالف الحضارات التابعة للأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وألمانيا، والولايات المتحدة، ودول غربية أخرى عملية إحراق المصحف الشريف، مطالبة السلطات السويدية باتخاذ خطوات تجاهها.
واللافت هو موقف الحكومة السويدية التي أعقبت ردود الفعل الواسعة، حيث أبدى وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم رفضه العمل الاستفزازي، وقال -في تغريدة له عبر تويتر- إن الاستفزازات المعادية للإسلام مروعة. وشدد على أن بلاده “تسعى إلى وقف كل الأعمال المسيئة للأديان والكتب السماوية”.
وبالعودة للموقف السعودي أكد وزير الخارجية أن “تكرار حوادث حرق نسخ من القرآن الكريم يساهم في تأجيج الكراهية، ويحد من جهود الحوار بين الشعوب والحضارات وهو ما تحرص المملكة العربية السعودية على تعزيزه ومنذ بداية إنشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني والمملكة تسعى وبشكل جاد للحوار. حيث تم في عام 2012 تأسيس مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات “كايسيد” وهي منظمة دولية تأسست من قبل المملكة العربية السعودية وجمهورية النمسا ومملكة إسبانيا إلى جانب الفاتيكان بصفتها عضوًا مؤسسًا مراقبًا. والسؤال الجدير بالطرح هنا: هل هناك أي قانون يجرم التعدي على مقدسات المسلمين ورموزه.
وتسعى كايسيد لدفع مسيرة الحوار والتفاهم بين أتباع الأديان والثقافات المتعددة، والعمل على تعزيز ثقافة احترام التنوع، وإرساء قواعد العدل والسلام بين الأمم والشعوب. وترى “كايسيد” أن الدين قوة كبيرة تعزز ثقافة الحوار والتعاون لتحقيق الخير للبشرية بغض النظر عن أوجه الاختلاف الطبيعية. وتستند في هذه الرؤية إلى ما جاء في بعض النصوص الدينية الداعية للتعايش والتعارف، كقوله تعالى في محكم التنزيل “ولقد جعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم.” والهدف هنا إبراز القيمة الحضارية للتنوع البشري والعمل على إرساء القواعد والأسس التي تقوم عليها صروح التعايش والحوار والتفاهم والتعاون بين البشر على اختلاف أديانهم وثقافاتهم.
كما يُعدُّ المركز أول منظمة دولية تعمل على تفعيل دور الأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية لمساعدة صناع السياسات في بناء السلام والتعايش السلمي تحت مظلة المواطنة المشتركة؛ وبناء الجسور بين القيادات الدينية والسياسية سدّا للفجوة بين القيادات الدينية وصانعي السياسات خاصة في المنظمات الدولية؛ وإيجاد حلول ناجعة، ومستدامة؛ وتحقيق نتائج إيجابية. ويطبِّق المركز أنشطة، تعزز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات من أجل السَّلام، وترسخ الحوار والتعايش في العالم. لكنَّ أفعالًا متكررة مصدرها أوروبا تزعزع السلم والتواصل العالمي اللذين يؤديان للتفاهم بين البشر.
وتعمل مثل هذه المبادرات على معالجة التحديات المعاصرة التي تواجه المجتمعات، بما في ذلك التصدي لتبرير الاضطهاد والعنف والصراع باسم الدين وتعزيز ثقافة الحوار والتعايش السلمي المنطلق من الدين الإسلامي المتمثل بالقرآن العظيم والخلق النبيل للنبي محمد صل الله عليه وسلم الذي انتهج نهجًا حضاريًا انعكس بشكل جلي في كل نواحي السيرة العطرة. فهل تتواءم حوادث ازدراء الأديان على ذلك النحو الذي يقوم به المتطرفون في أوروبا بين الحين والأخر مع ما يسعى إليه هذا المركز؟ وهل تسهم تلك الأفعال والتصرفات غير المسؤولة وغير المبررة في خلق أي حوار حضاري بين الأمم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى