سيأتي ما يُفرح قلوبنا، ليس رجماً بالغيب، ولكن ثقةً برب رحيم، فلا يعقب الأحزان إلا سعادةً، ولا يعقب الوجع إلا راحةً، كما لا يعقب الظلم إلا عدالة السماء، ولا يعقب الانكسار إلا جبر الخواطر .. هذا يقيني الذي لا يتزعزع برب العالمين الذي يحنو – تبارك وتعالى- على عباده ويهيئ لهم مداخل الفرح والسرور والسعادة رغم أي ملمات تحل بهم.
ومن هنا، وجب على الإنسان دائما أن يتوقع الخير والتوفيق في أموره، وأن يلزم التفاؤل، فهذا باب من أبواب التوكل على الله سبحانه وإحسان الظن به، كما أن التشاؤم من أخلاق الجاهلية، وفيه ما فيه من إساءة الظن بالله -جل وعلا-.
وقد جاء هذا المعنى في قول رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم- من حديث أنس: “والطيرة على من تطير…” (رواه أبو داود)، والطيرة في الإسلام معناها التشاؤم.
يقول ابن القيم الجوزيه – رحمه الله- في تعليقه على هذا الحديث في كتاب “مفتاح دار السعادة” ما يلي: (وقد يجعل الله سبحانه تطير العبد وتشاؤمه سبباً لحلول المكروه به، كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به، وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى والخوف من غيره وعدم التوكل عليه والثقة به.. وكل من خاف شيئاً غير الله سُلط عليه، كما أن من أحب مع الله غيره عُذب به، ومن رجا مع الله غيره خُذل من جهته، وهذه أمور تجربتها تكفي عن أدلتها…).
و من تفاءل بالخير يجده بأمر الله تعالى، فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يحب الفأل الحسن، ويكره التشاؤم والطيرة، ففي مسند الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، ويكره الطيرة”. وعن صهيب – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له” (رواه مسلم).
فالتفاؤل – إذا- هو الذي يبعث بالنفس الأمل ويحفز على الإيجابية والعمل، ومن الأحاديث التي تدعم التفاؤل قول الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم-: “بشروا ولا تنفروا.. يسروا ولا تعسروا” (متفق عليه)، كما قال – صلى الله عليه سلم- قبيل موته بثلاثة أيام بحسب رواية جابر بن عبدالله: “لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله” (رواه مسلم)، وهذه من أجلّ الصور في محبة الله والثقة به وحسن التوكل عليه.
والمتأمّل في آيات القرآن الكريم يجدها تبثّ النور والأمل والبِشر والتفاؤل في نفس قارئها، وتدعوه إلى انتظار الفرج، وتُعينه على الصبر أثناء رحلة الحياة بذكر جزاء ومكانة الصابرين، ومن هذه الآيات الكريمة قوله – جل وعلا-:
“أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” (البقرة:214)، وكذلك قوله – تعالى-: “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ” (آل عمران:173-174).
وأيضاً قوله – تعالى-: ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ” (الأنبياء:83-84)، وكذلك قول الحق: ” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا” (الطلاق:2-3).
وأخيراً.. إن لطف الله يجري، وعبده لا يدري. يأت بها الله، وإن كانت مخبأة، فالصبر باب لها، والفاتح هو الله. اللهم دبر لنا المستقبل الذي نجهله، ويسّر الغد الذي يقلقنا، وقرّب الحلم الذي نرقبه، وهب لنا أملاً يملأ قلوبنا، وتول اللهم أمرنا.
0