ارتفعت قدرة الجامعات خلال الثلاثة عقود الماضية على بيع ما تنتجه من خدمات معرفية وتعليمية للأفراد والمؤسسات والشركات. ولم يكن هذا النوع من التجارة إذا جاز التعبير بالأمر الجديد، فخلال تنامي المنافسات الرياضية بين الجامعات الأمريكية في العام 1915م، حصدت جامعة ييل بولاية كنتيكت الأمريكية العريقة – تأسست في العام 1701م- على أرباح قُدرت وقتها بمبلغ مليون دولار من جراء فوز فريقها الرياضي لكرة القدم.
غير أن الجامعات الأمريكية منذ منتصف سبعينيات القرن الميلادي الماضي أصبحت أكثر اندفاعًا من ذي قبل نحو عملية جني الأموال من نتائج بيع أبحاثها وأنشطتها العلمية وإطلاق برامج ومشروعات ربحية.
وعلى الرغم من أن عالم الاقتصاد الأمريكي “تورشتاين فبلن”، قد حذر من أن يتحول دور الجامعات إلى مؤسسات تجارية؛ كما قال ذلك في كتابه بعنوان : “التعليم العالي في أمريكا الذي أصدره 1918م إلا أنه في بداية القرن الواحد والعشرين، وجدت بعض الجامعات الأمريكية على وجه الخصوص نفسها في وضع تحسد عليه بأبنيتها الجميلة ومختبراتها ومعاملها وأساتذتها وأنشطتها البحثية التي تعتبر المكونات الضرورية لاستمرار نموها وازدهارها وتقدمها العلمي الذي يمكن أن يحوله آخرون إلى منتجات جديدة ذات قيمة، أو أن يقدموا اكتشافات علمية وطبية تنقذ حياة الناس، من أجل ذلك فقامت بتسويق منتجاتها البحثية للحصول على مورد مالي ذاتي بجانب موارد ذاتية أخرى لها تمكنها من الصرف على منشآتها وأصولها دون الحاجة للاقتراض.
أدى هذا النوع من الحراك الجامعي إلى زيادة انتباه وسائل الإعلام، وتنامي التمويل المقدم من الجهات والمؤسسات الحكومية ورجال المال، ونجح هذا الحراك العلمي إلى خلق عدد كبير من الفرص الوظيفية من جني الأرباح، وزاد التصدير الأمريكي للخارج ليصبح حوالي (80%) من صادرات أمريكا من نتاج أبحاث ومختبرات الجامعات الأمريكية، وأدركت عندها الجامعات أن دورها أصبح تخريج مجاميع من العلماء والمفكرين بدلًا من المتعلمين، وبذلك تحولت إلى جامعات عظيمة كما ذكر ذلك عالم علم الاجتماع الأمريكي “جوناثان كول” في كتابه “جامعات عظيمة”.
محليًا ونتيجةً للدعم والتشجيع من قبل القيادة الرشيدة -حفظها الله- خطت بعض جامعاتنا السعودية خطوات كبيرة -ولله الحمد – في هذا الاتجاه، فدعمت البحث العلمي، ووقعت شراكات مع جامعات عالمية، ونشرت ثقافة البحث العلمي بين منسوبيها، وأنشأت أودية وحدائق للتقنية، ودعمت تسجيل براءات الاختراع المقدمة من منسوبيها في مكاتب تسجيل البراءات العالمية، وساهم رواد الأعمال فيها بتسويق منتجاتها البحثية، أدى هذا الحراك إلى تقلدها مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية.
فقد صدر حديثًا تصنيف شنغهاي الشهير لعدد مكون من عشرين ألف (20) من جامعات العالم للعام 2023م، ولأول مرة تحتل ثماني جامعات سعودية من بين أقوى عشر جامعات عربية، منها أربع جامعات سعودية احتلت المراتب الأربع الأولي عربياً وهي: 1- الملك سعود. 2- الملك عبد العزيز. 3- الملك عبد الله. 4- جامعة الطائف.