المقالات

الشهادات ليست شرطًا للإبداع

الاعتزاز بالنفس حق مشروع لكل شخص لديه شغف وطموح يدفعه لتحقيق ما هو أفضل لنفسه ومجتمعه، وهناك الكثير من العلماء والمثقفين يفضلون الاندماج في المجتمع وتقديم ما هو مفيد دون ذكر ألقابهم ودرجاتهم العلمية تواضعًا منهم وتحفيزًا لغيرهم؛ ولأن الدرجات العلمية من وجهة نظرهم تُقيِّد تحركاتهم وإبداعاتهم.

والإبداع موهبة تنمو بالأفكار وتسمو بالاطلاع وتثمر بالممارسة، ولدينا الكثير من الأدباء والمفكرين العظام لا يحملون مؤهلات علمية عالية، ومع ذلك اجتهدوا على أنفسهم حتى حققوا من الإنجازات ما يؤهلهم لحصد براءات الاختراع والجوائز العالمية التي تخضع لمعايير وتقييمات عالية، ولا يفوز بها سوى عدد محدود على مستوى العالم.

لذلك فإن المؤهلات العلمية العالية ليست وحدها مطلبًا للتفكير والإبداع إذا لم يتوفر العقل الذكي والفكر النير الذي يستفيد من تلك المؤهلات ويسخرها لما يفيده ويفيد مجتمعه، وعلى مر التاريخ هناك مبدعون لم يتمكنوا من الحصول على الشهادات العالية والدعم الكافي، ومع ذلك قدموا للبشرية خدمات راقية عالية الجودة لا زال أثرها وتأثيرها حتى الآن.

‏”توماس إديسون” مثلًا مخترع المصباح الكهربائي لم يلتحق بالمدارس سوى ثلاثة أشهر فقط وحقق إنجازًا تستفيد منه البشرية حتى الآن، و”بيل جيتس” مؤسس شركة مايكروسوفت لإنتاج البرمجيات رغم تميزه في جامعة هارفارد تركها لإدراكه أنها ليست الأفضل لطموحه، وكذلك العالم الفيزيائي “إسحاق نيوتن” لم يحرز تقدمًا في مدرسته؛ فأخرجته والدته من المدرسة ثم على يديه وضعت أهم قوانين الجاذبية.

كذلك في وطننا العربي برز عباس محمود العقاد كأفضل الأدباء في الوطن العربي رغم عدم استطاعته مواصلة تحصيله العلمي واقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية فقط؛ لعدم توافر المدارس الحديثة في محافظة أسوان، حيث ولد ونشأ هناك، كما أن موارد أسرته المحدودة لم تتمكن من إرساله إلى القاهرة كما يفعل الأعيان، واعتمد “العقاد” فقط على ذكائه الحاد وصبره على التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة موسوعية لا تضاهى أبدًا، ليس بالعلوم العربية فقط وإنما العلوم الغربية أيضًا؛ حيث أتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للأجانب من السائحين المتوافدين لمحافظتي الأقصر وأسوان، مما مكَّنه من القراءة والاطلاع على الثقافات البعيدة.

تلك بعض الأمثلة ولدينا في المملكة العربية السعودية الكثير من المبدعين في جميع المجالات كان الشغف والطموح والإبداع دافعًا لهم لتقديم ما يثري الساحة في مختلف التخصصات بعضهم لا زالوا على مقاعد الدراسة في التعليم العام والبعض الآخر أصبح يُشار إليه بالبنان في الكتابة والتأليف، وبتوفيق الله ثم بالدعم السخي من ولاة الأمر -يحفظهم الله- حققوا الأهداف ونالوا براءات الاختراع، وحصدوا الجوائز العالمية كلًا في مجال موهبته.

هذا لا يعني تجاهل العلم والتعليم أو التقليل من شأنها؛ فقد حث عليها ديننا العظيم وشريعتنا السمحة ويكفينا اقتداءً برسولنا الكريم؛ حيث إن أول آية نزلت عليه أمرته بالقراءة، وهناك الكثير من الآيات القرآنية تدعو إلى التفكر وتحث عليه، وكلما زاد الاطلاع كلما نمت الموهبة.

بقي أن أشير إلى أن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو ما صرح به أحد كتّاب الرأي في صحافتنا الوطنية ممن نعتبرهم قدوات لنا في كتاباتهم وعمق تفكيرهم وحصافة رأيهم، وهو الكاتب الكبير الأستاذ محمد الرطيان؛ حيث ذكر عبر إحدى تغريداته بتويتر أنه لا يحمل حتى الشهادة الثانوية !!!

أيضًا هناك في وطننا الحبيب العديد من الأدباء والشعراء والكتاب الذين أفادوا وأجادوا دون أن تكون الشهادة العلمية العالية شرطًا لإبداعهم.

وذلك ما يؤكد عنوان مقالي بأن الشهادات ليست شرطًا للإبداع.

– كاتب رأي ومستشار أمني

عبدالله سالم المالكي

كاتب رأي - مستشار أمني

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. مبدع في الطرح ومميز في الأسلوب ورائع في بث الروح التحفيزية لدى المبدعين فهذا مقال يقطر جمال في الكلمه والحبك والسبك الصحفي فشكرا لك أبا رائد على هذا الجمال وأعانك الله على ما هو مفيد ومثير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى