مع انطلاقة كل عام دراسي تواجه معظم مدارس مدننا ومحافظاتها مشكلة ومعضلة كبرى باتت تلقي بظلالها على كل من له علاقة بالتعليم، والتي تتمثل في تكدس الطلاب داخل الفصول الدراسية حتى إنها أصبحت أحد أبرز المشاكل التي تؤرق الطلاب وأولياء أمورهم بل والمعلمين وإداراتهم؛ نظرًا لتأثير هذا التكدس سلبًا على العملية التعليمية، ومخرجاتها لا سيما وأن عدد الطلاب والطالبات يتجاوز في بعض الفصول الأربعين طالبًا مما يحول دون تحقيق العديد من الأهداف التربوية التي تنشدها الوزارة والمدارس، لصعوبة ضبط الصف وتوزيع المشاركات، واستخدام التقنيات والاستراتيجيات الحديثة في التدريس والوسائل التعليمية المساعدة في عملية التعلم ونواتجها.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار مواصفات الفصول النموذجية وفق ما تشير إليه الدراسات التربوية العالمية التي توصي بأن يكون نصيب الطالب داخل الفصل مترًا مربعًا، وأن تكون مساحة الفصل الدراسي ثمانية وأربعين مترًا مربعًا، ويكون ارتفاع الفصل ثلاثة أمتار مع اشتراط التهوية والإضاءة الجيدة، فإننا وبلا شك سندرك أن فصول مدارسنا باتت تختنق بل تحتضر بسبب مشكلة تكدس الفصول الدراسية بالطلاب والطالبات التي أضرت بالعملية التعليمية، حيث أصبحت الكثافة العددية عائقًا يحول دون تمكين المعلمين والمعلمات من أداء الأدوار المناطة بهم كمربين ومعلمين ناهيك على أن المتخصصين في علم النفس والتربويين دائمًا ما يؤكدون على أن تكدس الطلاب داخل الفصول يولد عددًا من المشكلات السلوكية والصحية إلى جانب عدم الانضباط في الفصل، وقلة الاستفادة العلمية وتدني مستوى التحصيل الدراسي لدى الطلاب والطالبات!
ومما زاد الطين بلة في السنوات الأخيرة قيام وزارة التعليم في كل عام بإغلاق العديد من المدارس وضم طلابها إلى مدارس أخرى مما أدى إلى زيادة في أعداد الطلاب بشكل ملفت للنظر؛ فأسهمت تلك الزيادة في غياب المناخ الصحي والطبيعي للعملية التعليمية كالتأخر في بدء الدرس وعدم مقدرة المعلم على متابعة جميع الطلاب خلال زمن الحصة الدراسية، وكذلك عدم قدرته على حل مشكلات الطلاب المتأخرين دراسيًا، أو حتى متابعة الواجبات اليومية كما أن هذا التكدس أدى إلى انتشار بعض السلوكيات الخاطئة بين الطلاب بسبب الاحتكاك المباشر بينهم؛ نظرًا لتلاصق الطاولات بعضها ببعض كالمضاربات والكلام أثناء سير الحصة الدراسية ومحاولة تعطيل المعلم عن إكمال شرح دروسه مما يوضح لنا أنّ هناك خللًا في عدم استقراء المستقبل عند عملية الدمج، وكذلك عدم استحداث مبانٍ جديدة تفي بالاحتياج السكاني المتزايد والمتنامي في كل عام.
وأخيرًا.. فإننا إذا أما أردنا الحديث عن الحلول والمقترحات لهذه المشكلة، فإنه يأتى على رأسها وفي مقدمتها ضرورة التوسع في بناء المدارس من قبل وزارة التعليم بأسرع وقت ممكن، وكذلك إعادة التصميمات والدراسات الهندسية لكافة المباني المدرسية القادمة، والتي يجب أن يراعى فيها زيادة مساحات الفصول والتقليل من المساحات المهدرة في الممرات الداخلية والخارجية، وكذلك نشر ثقافة المشاركة المجتمعية بين وزارة التعليم ورجال الأعمال وملاك الشركات الكبرى والبنوك التجارية ليسهموا في بناء مدارس عصرية داخل الأحياء السكنية المكتظة كرد جميل لهذا الوطن المعطاء ونظير ما تقدمه لهم الدولة -رعاها الله- من تسهيلات في مجال أعمالهم مستشعرين قبل ذلك المسؤولية تجاه وطنهم فالمهمة صعبة وإذا لم يتعاون الجميع، ويتحول البناء إلى هدف لكل مواطن وكل مسؤول فإنه لن يتحقق أي شيء مما نصبو إليه وسيبقى الوضع على ما هو عليه حتى إشعار آخر!
وخزة قلم:
الحد من الازدحام الذي أضر بالعملية التربوية والتعليمية يجب أن يكون بحلول دائمة، لا بما يُشبه المسكّنات.