المقالات

هندسة العقول

قال صاحبي هل تُهندس عقولنا، من يقوم بذلك، متى، وكيف، ولماذا، وبأي أدوات، وهل نستشعر هذا الفعل، كيف لنا أن نُحصن ذواتنا وأبناءنا ممن يسعى لهندسة عقولنا؟
تتم هندسة عقولنا، وقولبتها وتوجيهها وقيادتها، بأساليب متنوعة، ومن أشخاص نعرفهم، ويعرفوننا، ومن آخرين لم نرهم، ولم يلتقونا، لأسباب متنوعة، فالأب والزوج، والصديق، والمعلم، وغيرهم قادرون على تشكل اهتماماتنا، وصنع وعينا وغرس مصداقيتها في داخلنا، ورغم خطورة هذا الأمر إن كان القائم بالاتصال يسعى لامتلاك ناصية عقول الآخرين وصياغتها؛ لتتوافق مع ما يريد. لكن الخطر الأكبر عندما تتولى وسائل الاتصال بكافة أشكالها مهمة صوغ عقولنا، من خلال رسائلها المبطنة التي يتم تمريرها دونما وعي من المتلقي.
هذه الوسائل تعتمد على التكرار، وحصار المستقبل إلكترونيًا في كل مكان للترويج لقضية سياسية أو فكرية أو اقتصادية، واعتماد أساليب متنوعة من التضخيم إلى التهوين بما لا يدع مجالًا للشك في مصداقيتها، خصوصًا عندما تتلقفهـا الجماهير ثم تتداولها من خلال وسائل التواصل المتنوعة، وبالتالي اعتناقها من المتلقي الذي يؤمن بأن كل متداول بين جموع النـاس يكـون بـالضرورة الحقيقـة، ومن لم يؤمن بها لا يستطيع الجهر بمعارضتها، فيدخل في دائرة دوامة الصمت.
هذه العُزلة الاجتماعية أو المهنية التي يخشاها البشر، لأنهم جبلوا على الحياة المدنية، هي إحدى طرق الإقناع القسري التي تستخدمها الجماعات المرجعية، ووسائل الاتصال بكفاءة عالية، بالإضافة لاستخدام أسلوب الصدمة، من خلال انتقاء مجموعة من الأخبار والتقارير والصور الثابتة والمتحركة التي تجعل المتلقي يتقبل ما يلقى إليه من أفكار ويؤمن بها، ويدافع عنها، دون تمحيصها، ومن أساليب هندسة العقول استخدام الطعن بالقيم والمعتقدات، والتشكيك في مصداقيتها، أو ملاءمتها للعصر، أو بأنها السبب وراء التخلف!!، ومنها يفتحون للمتلقي بابًا لا نهاية له -نحن وهم-. أو إغلاق باب الاختيار على المتلقي” من لم يكن معنا فهو ضدنا!!
ومن أساليب هندسة العقول توظيف اللغة، وصناعة المصطلحات بطريقة ماكرة، وتمريرها لتصبح لغة إعلامية دارجة في وسائل الإعلام المختلفة، وفي نشرات الأخبار، ومقالات الصحف، ووسوم وسائل التواصل الاجتماعي، فاللغة ليست بريئة فهي تحمل مضامين ذات أبعاد متعددة، تجعل من يرددها دون وعي بسياقاتها، يؤمن بها ويتبناها، ويزج بها في ثنايا حديثة، وهي مشبعة بالزيف والكذب وإحقاق الباطل، وإبطال الحق.
وإدراكًا من العاملين على هندسة العقول، تم تكليف ناقلات الأخبار الكبرى، بتمرير الكثير من المصطلحات والعبارات، إلى وسائل الإعلام في مختلف الدول، وصناعة لغة إعلامية عالمية لا تراعي قيم وأفكار ومصالح الدول المستقبلة لها، بل تخدم مصالح من صنعها وسوقها، ونجح بامتياز بجعل الآخرين يتداولونها في حياتهم ووسائل إعلامهم، فأصبحت شعوب العالم مرتهنة للدول المتقدمة في صناعة مضامين الإعلام وترويجها على نطاق عالمي.
• لماذا يكرهوننا؟
• الإسلاموفوبيا.
• الشرق الأوسط.
• الإرهاب.
• نحن طيبون وهم أشرار.
• أعداؤنا يخططون للقيام بمؤامرة ضدنا.
• الآخرون أعداء لقيمنا – الحرية- حقوق الإنسان- الديموقراطية…إلخ.
• نحن المدافعين عن العالم الحر، والمسؤولين عن تعميم الحرية وحقوق الإنسان ونشر
الديموقراطية، ومحاربة الديكتاتورية في العالم المتخلف، وغيرها من المصطلحات والعبارات التي تم صناعتها بعناية فائقة.
هذه بعض الرسائل التي برع الإعلام الغربي في صناعتها لهندسة عقل الرأي العام، وحصاره في وسائل ومضامين مختلفة من السينما إلى السوشال ميديا، مرورًا بصناعة النكت السياسية، والتضليل الإعلامي، والرسوم الكاريكاتورية. خُذ على سبيل المثال مصطلح الشرق الأوسط، هل هو مصطلح جغرافي، أو سياسي؟ جغرافيًا؛ حتى الآن لم يتم التوافق على دول هذا الإقليم، إذن هو مصطلح سياسي تم صناعته وتمريره حتى تشربته العقول وآمنت به، دون وعي لارتداداته المستقبلية على المنطقة العربية وقضاياها. هذه المصطلحات أدمناها حتى غدت جزءًا أصيلًا من لغتنا، وخطابنا، في مقابل عجزنا عن إنتاج مصطلحات مماثلة نسوقها للعالم من أجل مصالحنا.

قلت لصاحبي:
يُشبه البعض الرأي العام بجسد المارد وعقل الطفل.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button