هناك سقوف محددة لكل حرية للإنسان إذ لم يكن هناك حرية مطلقة إلا بعد أن تخضع لقوانين الحياة الآمنة المستقرة وحيث أن الدين الإسلامي وضع قيودا للكثير من الحريات ابتغاء الحياة الكريمة التي قررتها الثوابت ” القرآن والسنة ” والعادات والتقاليد مما يرتضيه المجتمع المسلم إذا ما نفينا الآخر الذي له دينه وعاداته وتقاليده وحرياته وفق نظام معين وضعه البشر فليس بالضرورة الاقتداء بما يخالف دينك وعاداتك وتقاليدك في البلد الذي تعيش فيه وبالذات المملكة العربية السعودية مهبط الوحي ومنبع الرسالة الشاملة لكل الناس على يد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام الذي خاطبه ربه بقوله تعالى : ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين “وقوله تعالى وما أرسلناك إلا كافة للناس ” علم ذلك من علم وجهل من جهل فالأمور التعبدية قاعدة أساسية في الحياة ابتغاء مرضاة الله تعالى وامتثالا لهدي رسوله الكريم ثم يأتي العمل والتعامل ثمار ناضجة تؤتي أكلها بإذن ربها في حياتنا العامة فلا نضل حتى لا نشقى ومن حاد عن هذا فمصيره الضياع والندم يوم لا ينفع الندم .
ما دعاني للكتابة عن هذا ما نراه مع شديد الأسف في بعض وسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت على المجتمعات باب جهنم بمسخ عقول كل من اتخذها مطية ونافذة يطل من خلالها على العالم بأسره في مشاهدات وأحاديث وتواصل مشين بين الشباب والشابات سواء بطريقة فردية أو جماعية وطرق ملتوية للتعارف عبر هذه الشبكات المفتوحة المفضوحة ومع الأسف أن هؤلاء الذين امتهنوا التواصل المشوه المشبوه قد وصموا أنفسهم ومجتمعهم بأسوأ العبارات التي تدل على سوء التربية أو التمرد عليها مع أن المجتمع ربما يبرئ أسرهم من هذا ولكن الذي يدعو للتفكير هل وراؤهم من يقر هذه الأفعال ولا ينتقدونهم أو حتى يحاسبونهم ؟ إسفاف في الحديث ومعاكسات تصل لدرجة التقزز من العبارات والجمل التي يطلقونها على بعضهم البعض وكل هذا من أجل الشهرة والبحث عن المال من أبواب خلفية تخدش الحياة العامة والخاصة وتوحي أن هؤلاء الذين يجلسون من الجنسين خلف الشاشات الصغيرة وعبر أجهزة الجوال لا حياء يردعهم من الله ثم من المجتمع ويزيد بعضهم وبعضهن باصطحاب الأطفال فيقحمونهم في غياهب التواصل المخزي مع الآخرين وكأنهم يدربونهم على مستقبل أكثر سوءا من حاضرهم .
الذي أزكموا به المجتمع السوّي وزيّنوا به مجتمعهم المنحرف والمشكلة أن هذا الإسفاف لم يقتصر على الشباب بل طال بعض كبار السن الذين يواصلون الليل بالنهار وهم يهرطقون كالمتصابين مع المتصلين والمتصلات بالذات وسيماهم في ألسنتهم وهيئة جلساتهم كما يفعل بعضهم ويردد عبارات على شكل أسئلة وبخاصة مع النساء وهو يمثل دور مفسر الأحلام زورا وبهتانا ويسألهن عن العمر والرصيد والوظيفة ووسيلة النقل والمسكن ويخطب كل من تتصل به بأسلوب مقزز فج وهو يتصيد ضحاياه بالكلام بلا ملام وعليه قس من هم على شاكلته والله المستعان والكثير يسأل هل من رادع لهؤلاء الماسخين وإن كانوا لا يمثلون إلا أنفسهم لكنهم ينقلون مرضهم للمجتمع كالفيروسات فالمفترض أن تكون هناك رقابة على المحتوى المعفن الذي يجاهرون به ويسيء للمجتمع من خلالهم ليكونوا عبرة لغيرهم فمن يردع مشاهير الفلس ؟؟ .
خلونا نرجع للوراء وبصفة خاصة أتحدث عن نفسي ومن هم على شاكلة زماني فقد بلغنا مبلغنا من الفقر ونحن صغارا على مقاعد الدراسة في الابتدائية إذا ما نفينا مرحلة الروضة لعدم وجودها في غير البيت مع الأسرة وعشنا شظف العيش عندما كانت الزراعة والرعي هما السبيل الوحيد للحصول على لقمة العيش قبل ثورة النفط وتوفر الوظائف وكنا نسافر للعمل في العطلات السنوية التي كانت تصل إلى أكثر من ثلاثة أشهر وكنا نوفق بين الدراسة رغم البعد الذي يصل في المرحلة المتوسطة لعشرين كيلو متر بين مقر السكن ومكان المدرسة في الظفير مع قلة ذات اليد وعدم ملاءمة ما نلبس والظروف الجوية خاصة في فصل الشتاء وكنا نتعب في كل ما يحقق لنا الحصول على ما يساعدنا على الحياة وهنا لابد من تسجيل وقفة مهمة تتمثل في عدم تعريض أنفسنا لأي مجال رخيص لتوفير ما نحتاج من المادة غير العمل الشريف والمرهق أحيانا رغم صغر سننا كنا نسافر مكة والدمام في مرحلة متقدمة مقارنة بهؤلاء الذين يزجون بأنفسهم في أتون التحصيل المادي من وراء الشهرة الكاذبة الذين أسموهم بمشاهير الفلس ممن يبحث عن المادة على حساب المبادئ والقيم والأعراف وربما تصل للعبث بالأخلاق التي تعتبر بوابة الدخول للمجتمع الراقي المحافظ فيما يجدون من يطبل لهم مع الأسف ويضعهم في مكانة لا يستحقونها ويتبادلون معهم الصور والأحاديث الجانبية المزيفة .
انعطاف قلم :
يجب على المجتمع تهميش كل من يعمل لصالح الشهرة على حساب القيم والمثل والعادات والتقاليد التي يعتز بها أفراده ومكوناته ولا يساهمون في فرعنتهم بالتطبيل والنظر لهم بأنهم مشاهير مالم يكن محتوى ظهورهم يخدم الدين والوطن والمجتمع بكامله دون تمييز .
0