المقالات

انطلق العام الدراسي بفضل الله وانتظم الطلبة في فصولهم.. فماذا بعد؟

إننا نتطلع لتحقيق انضباط عالٍ في حضور الطلبة طيلة أيام العام الدراسي، ونتوق لرؤية مخرجات تعليمية ونواتج تعلم تتناغم مع جودة المناهج، وحجم الدعم الذي يحظى به قطاع التعليم من حكومتنا الرشيدة، والفكر المستنير الذي تبنته وزارة التعليم بقيادة معالي وزيرها الأستاذ/ يوسف البنيان وقيادات الوزارة التي باتت أقرب للميدان التعليمي من أي وقت.
ثم إننا ننتظر من أبنائنا وبناتنا شغفا بالتحصيل الدراسي، وبناء معارف تُمكنهم من خوض غمار المنافسة العالمية في شتى المجالات.. وتطوير مهارات تجعلهم قادرين على الأخذ بزمام المبادرات الخلاقة، وقيادة التغيير الإيجابي الذي يصنع التنمية المستدامة، ويواكب مستهدفات رؤية الوطن 2030 الدافقة طموحًا.
ونريد منهم ـ ونحن نرى فيهم المستقبل ـ أن يكونوا على قدر عالٍ من المسؤولية التي تشيد بروح الولاء والانتماء للوطن وولاة الأمر -أيدهم الله-. وأن يكون الاعتزاز بهويتهم والمحافظة على قيمهم سلوكًا يتمثلونه، وتبقى عقيدتهم النقية الوسطية نبراسًا يميزهم عن غيرهم، ويظل اعتدالهم علامةً على تفردهم..
كل ذلك.. وأكثر، نرجوه لأبنائنا وبناتنا ونأمله فيهم.
فهل تتحقق تلك الآمال في فلذات الأكباد بمجرد أن استقر بهم الأمر على مقاعد الدراسة؟!
نعم، يمتلكون القدرات.. وسُخِّرت لهم الإمكانات، وهُيئت لهم بيئات التعلم، وزُوِّدوا بالمناهج المطوَّرة، ووُفِّرت لهم التقانة الحديثة..
هل يكفي هذا؟ مع أهمية توافره ـ هل يكفي ليحققوا أحلامهم ويتحقق للمجتمع ما يرجوه فيهم وينتظره منهم؟!
أعتقد جازمًا أنه وبرغم قدراتهم الذاتية، وتوفير المُمَكِّنات المختلفة.. يحتاجون ــ بعد توفيق الله ــ لِمَنْ يَصْحبهم خلال رحلتهم الدراسية صُحبة ناضحة بالمحبة، دافقة بالرحمة، واعية باحتياجاتهم.. حريصة على مصالحهم.. صادقة في رعايتهم.. ليقطفوا ثمرة أحلامهم، ويجنوا حصاد اجتهادهم في مسيرتهم الدراسية!
ولن يكون ذلك الصاحب المُلهم والمحفز، الناصح والموجه.. إلا مدير المدرسة!
فهل يمتلك هذا الإنسان معجزة ليفعل ذلك كلَّه، ويمارس هذا الدور العظيم؟!
نعم، وبكل تأكيد، إنه قادر ــ بتوفيق الله ــ على فعل ذلك.. ليس بـ(عصا موسى)، ولكن بصفته التي تشرف بها حين طمح أن يُكلف مديرًا للمدرسة، وحمل الأمانة العظيمة واستعد لممارسة المهمَّة بل المهمات الجسيمة!
ولا يساورني أدنى شك بأنه لما أقدم على تسنُّم موقع القيادة (الأهم) في العملية التعليمية التربوية، كان يدرك بأنه سوف يكون الأب والأخ والصديق والموجِّه.. للطلبة جميعهم! وأنه مُطالب بأداء كُل الأدوار في المجتمع المدرسي.. وإنْ لم يكن واعيًا بهذه الحقيقة يوم أقدم على هذه الخطوة؛ فلن يكون وجوده في هذا الموقع ذا قيمة، بل لا أجدني أبالغ إذا قلتُ إن وجوده سوف يكون وقتئذ عبئًا عليه هو، ثم على المدرسة بكل ما فيها ومن فيها!!
إن مهمة مدير المدرسة لا تقف عند حدود تسيير العمل اليومي، أو مراقبة دوام المنسوبين وحضور وانصراف الطلبة! ولكن مهمَّته ــ في حقيقتها ــ أبعد بكثير مِن أن تُقْصَرَ على ممارسة تلك الواجبات التي يُحسنها أيُّ أحد! وهي ــ في جوهرها ــ تُمَثِّلُ قضية عظيمة الأثر شديدة التأثير..!
وبكل وضوح، فإن مدير المدرسة يحمل أمانة تحقيق المدرسة لأهدافها.. كل أهدافها! فهو أول من يجب عليه أن يُمارس دور المشرف التربوي بمفهومه الشمولي المتكامل.. ولزامًا عليه أن يكون هو الموجُّه الطلابي الأول، والمعلم الخبير، ووليُّ الأمر الحريص المتابع، هو القادر على تشخيص واقع مدرسته: من طلاب ومعلمين وتلَمُّس احتياجاتهم.. وتسخير الإمكانات والممكنات لخَلْقِ بيئة تعلُّم يتفاعل فيها الجميع داخل المجتمع المدرسيِّ، وتتخَلَّق فيها النواتج التعليمية التي ننتظرها جميعًا..
قد يقول أحدنا: إنك تُحَمِّل هذا الإنسان ما لا يطيق !
وأقول: بل هو يستطيع ذلك وأكثر.. إذا أحسنَّا اختياره وتأهيله وتمكينه. وقد أُعْطِيَ من الصلاحيات والممكِّنات والدَّعم في نظامنا التعليميِّ ما يُعينه على الإبداع والإتقان والتجويد.. إذا كان مستشعرًا للمسؤولية، شغوفًا بالعمل، مُتطلِّعا للنجاح والتميُّز.
ورحم الله أبا الطَّيِّب المتنبي حيث يقول:
ولم أرَ في عيوب الناس شيْئا كنقص القادرين على التمام !

– مكة المكرمة- 14 صفر 1445هـ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى