كثيرة هي المواقف التي تمر على الواحد منّا خلال مسيرته الحياتية، منها المفرح ومنها الطريف، ومنها الصعب والآخر من النوع السهل؛ من المواقف التي مررت بها خلال ابتعاثي للدراسة خارج المملكة في فترة التسعينيات الميلادية، سأذكر منها التالي:
الموقف الأول: قال تعالي: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). (سورة الروم: الآية 21).
كنتُ حريصًا جدًا على التوفيق بين واجباتي تجاه الأهل والأبناء وتلك التي تتعلق بالدراسة والبحث في الجامعة، وقد وفقني الله تعالي في ذلك -بفضله وإحسانه-، ثم ببركة دعاء والدي الحبيب -رحمه الله- والوالدة الحبيبة أطال الله عمرها في صحة وعافية.
كان ذلك محل إعجاب واهتمام من الجيران في القرية التي أقطنها، وكذلك من صاحب المنزل وزوجته (وكانا فوق الثمانين من العمر) من غير أن يصرحا به إلا في آخر لقاء معي بعد الانتهاء من الدراسة وحصولي -بحمدالله- على درجة الدكتوراة، والاستعداد للمغادرة إلى أرض الوطن.
أذكر يومها أننا سرنا بضع خطوات أنا وصاحب المنزل وزوجته في الحديقةِ الخلفيةِ للمنزل ونحن صامتان:
بعد ذلك التفت إليّ وقال: “أنتُم، المسلمون، سعداء”!
فقلت له: “في أي الأمور تقصد؟”.
قال:” كنت أنا وزوجتي أراقبك طيلة السنوات الأربع في تعاملك مع أهل بيتك، لقد أدركنا أن الواحد منكم حين يتزوج ينتقل من عالمٍ ضيقٍ، إلى عالمٍ أوسع، إلى عالمٍ أكثر تنوعًا وأزهي ألوانًا، أما عندنا فإن أحدنا إذا تزوج لم يجد بعد الزواج شيئًا لم يكن يعرفه قبل الزواج”. ا.هـ.
عندها تذكرت، قوله تعالي: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). (سورة الحجرات: الآية 17).
الثاني: موقف طريف لا زالت أذكره عنما كنت طالبًا في جامعة ويلز مع زميل لي من الجنسية الماليزية اسمه (سحر):
إن اسم (سحر)، اسم يُطلق في مملكة ماليزيا على الذكر والأنثى، وكانت غرف طلبة الدراسات العُليا في مبنى كلية العلوم في العادة تكون لطالبين اثنين، وقد شاركني في الغرفة هذا الطالب الماليزي، وكنت إذا اتصل بي بعض الزملاء العرب يسألون عني أو يطلبون مني المجيء إليهم لمشاركتهم في مجلس اجتماعي أو ترفيهي، كنت دائمًا أقول لهم: إنني مشغول قليلًا مع (سحر)، أو في نقاش مع (سحر)، فرابهم قولي واسترابوا مني وظنوا بي الظنون لدرجة أن أحدهم بالغ في ظنه وقاده ذلك إلي أن يمشي على أطراف أصابع قدميه، ويفتح باب الغرفة عنوة باحثًا عن (سحر) وقت الشمس والقمر، فإذا به يفاجأ بشاب آسيوي قصير القامة وملتحٍ؛ لتكون المفاجأة الكبرى عندما أعلمته أن هذا هو (سحر) زميلي الماليزي وشريكي في الغرفة، وأصبحت بعدها طُرفة يتبادلها الزملاء بين الفينة والأخرى.
0