إن للمدرس دورًا كبيرًا في تكوين شخصية الطالب، وبناء جوانبه الإبداعية وعطائه ونبوغه، وأكثر من ذلك هو البوابةُ التي عن طريقها يتم رسم مستقبلِهِ، وطريقه القادم في الحياة، ومن أكثر الأمثلة وضوحًا في هذا المعنى قصة الطالب البريطاني الذي لم يكن يميزه عن أقرانه شيء! كان أساتذته لا يرون منه إلا جانبه الشقيّ، وحده أستاذه في الرياضيات الذي لا حظ أن وراء هذا الوجه المشاغب عقلًا رياضيًا فذًا، فصرف همته لتطويره وتحفيزه.
كان من نتيجة فراسة هذا المدرس، أن ألتحق الطالب الذي ظنه أساتذته متوسط المستوى بجامعة أكسفورد العريقة، وتخرج فيها بمرتبة الشرف الأولى في مجال الفيزياء، ثم أكمل دراسته في جامعة كامبردج الشهيرة، وحصل على الدكتوراة منها في مجال علم الكون.
لم تتوقف المسيرة وظل هذا الرجل يُتحف الساحة الفيزيائية بإبداعاته التي كان على رأسها كتابه الشهير: “تاريخ موجز للزمن”، والذي عده بعضهم ثاني أكثر كتاب قراءةً بعد الإنجيل!
من هو هذا الطالب؟ إنه عالم الكون (ستيفن هو كينج) أشهر علماء الفيزياء في هذا القرن، وأحد أعظم عباقرة العالم، وشاغل “الكرسي اللوكاسيّ” للرياضيات الذي شغله من قبل العالمُ العظيم “إسحاق نيوتن”. الشاهد في هذه القصة هو (الفراسة) التي جعلت هذا المدرس الكفء ينتشل هذه الموهبة الفذة ويضعها في الطريق الصحيح.
قصة ملهمة أخرى: إنها للطالب الأمريكي (تيد ستوارد) الذي كان منبوذًا في مدرسته، كافحت إحدى المعلمات من أجله حتى صار من أشهر أطباء السرطان في العالم. كان يُعاني من الفقر وسوء المستوى الدراسي، الأمر الذي جعله منبوذًا من الجميع في المدرسة بما فيهم معلمته، التي ما إن راجعت سجلاته الدراسية السابقة أشارت إلى نبوغه وتفوقه حتى أصيبت بالذهول. لذا سعت تلك المعلمة إلى تغيير طريقة تعاملها معه حتى تفوق في دراسته وانقلب وضعه من حال إلى حال بمرور الوقت، وبدأ عقله يستعيد نشاطه حتى أصبح أكثر التلاميذ تميزًا في الفصل.
وبعد مرور سنوات على تخرجه من المدرسة، تلقت هذه المعلمة العظيمة دعوة لحضور حفل تخرج طلاب كلية الطب، موقعة من طالبها “تيد ستوارد”، الذي أصبح بعد ذلك من أشهر أطباء الأورام في العالم ومالك مركز “ستوارد” لعلاج السرطان في مستشفى ميثوددست في مدينة مونتيس بولاية أيوا الأمريكية، ويعد من أفضل مراكز العلاج ليس في الولاية نفسها، وإنما على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية.
تحمل هذه القصص رسالة مهمة عن الدور الذي يجب أن يقوم به المدرس نحو تلاميذه. لقد بذلت دولتنا الكثير من أجل قطاع التعليم، ويتوجب على المدرس أن يمارس دوره التأثيري الإيجابي باقتدار.. وعندها ستشهد بلادنا -بإذن الله- الكثير من أمثال هؤلاء العلماء الذين خطوا بالبشرية خطوات إلى الأمام.
وقد صدق شوقي-رحمه الله- حين قال في قصيدته عن المعلم:
وإذا المعالمُ ساءَ لحظَ بصيرة… جاءتْ على يدِهِ البصائرُ حُولا
0