صدق الشاعر حين قال:
تعارف أرواح الرجال إذا التقوا :: فمنهم عدو يتقى وخليلُ
كذاك أمور الناس والناس منهم:: خفيف إذا صاحبته وثقيلُ
تتأثر حياتنا في العادة بمن نُقابل ونعرف ونتعامل من البشر الذين قابلناهم في مشوار حياتنا الشخصية والمهنية، فبعضهم يخط سطورًا في عقولنا وأرواحنا وذكرياتنا، والبعض الآخر من الناس لا يترك ثمة لأثر.
من هؤلاء البشر الذين خطوا سطورًا جميلة في حياتي الشخصية الأكاديمي والكاتب ورجل الشورى سعادة الدكتور/ هاشم عبده هاشم، لمواقفه المشرفة معي والتي لا زالت في الذاكرة؛ من المواقف الطريفة والجادة في آنٍ واحد مع سعادته، أنني عندما عاد العماد (ميشال عون) إلى لبنان من منفاه في باريس، وكنت من قبل قد تابعت ما حصل منه قبل سفره إلى فرنسا وأن معاناة عظيمة حصلت للبنانيين بسببه وسبب صدامه مع الجيش السوري، فتوقعت أن في عودته معاناة جديدة للبنان، فطرأ على بالي استخدام التورية في عنوان لمقال عن لبنان وجاء العنوان هكذا: “كان الله في عون لبنان”، ولما أرسلته للدكتور هاشم وكان رئيسًا لتحرير صحيفة عكاظ لإجازته للنشر اتصل بي ضاحكًا وقال:” يا دكتور بكري ما عودتنا على مثل هذه الضربات في المناطق المنخفضة”، ففهمت منه أن المقال لن يُجاز وأنه باعتباره من ألمع رؤساء التحرير يستطيع أن يقرأ ما بين السطور.
وكنت قبل هذا الموقف أكتب لعدة سنوات في جريدة المدينة المنورة ثم طرأت بعض الظروف التي جعلتني أتوقف عن الكتابة فيها، ولم أكن أعلم أن قامة مثله يُتابع مقالاتي المتواضعة إلا عندما فوجئت باتصال هاتفي منه يسألني عن سبب توقفي عن الكتابة ممتدحًا على سبيل التشجيع ما سبق أن قرأه لي من مقالات، فاعتذرت بانشغالي بأمور عملية وعلمية وخاصة، ولكنه أجابني بقوله: “كل الناس والكتّاب لديهم ما لديهم من مشاغل وزاد أن قال اعتذارك غير مقبول ولذلك فإني أدعوك للكتابة في عكاظ وبالشكل الذي تراه مناسبًا لظروفك”.
وأذكر عندما كنت قبل فترة في زيارة لمدينة جنيف السويسرية قمت وقتها بزيارة لمكتبة “الزيتونة” وهي المكتبة العربية الوحيدة في سويسرا، فلفت نظري كتاب بعنوان: “وإليكم التفاصيل”، لمؤلفه الإعلامي التونسي المذيع بقناة الجزيرة “محمد كريشان”، ذكر فيه المؤلف أنه كان يعمل مراسلًا لصحيفة عكاظ السعودية في تونس، خلال فترة رئاسة الدكتور/ هاشم عبده هاشم لتحريرها، وقد كال المؤلف المديح للدكتور هاشم، وذكره بكل خير وأنه من أفضل من تعامل معه في تلك الفترة.
قمت على الفور بشراء نسختين من الكتاب أهديت إحداهما للدكتور هاشم بعد عودتي من الإجازة، وكانت أقل الواجب مع هذه الشخصية المميزة.
لازلت إلى الآن أستقبل منه بين فترة وأخرى رسائل جميلة على هاتفي المحمول، كم أنا مدين لهذه الشخصية المميزة.
0