منظمة “بريكس” (BRICS) هي منظمة تقودها خمس دول (حتى الآن) وهي كلٌ من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وكان السبب الرئيسي في تكوينها هو محاولة إيجاد عالم ثنائي القطب يستطيع خَلْق توازن عالمي جديد يُعيد ترتيب الوضع الحالي الذي يُسيطر عليه إلى حدٍ كبير قطب أوحد تُمثله الولايات المتحدة الأمريكية.
وممّا يؤكده الواقع أن أبرز ما يُميز السياسة الأمريكية أن ديدنها الثابت يتمحور في اعتمادها لنهج هدفه الدائم فرض الأجندة الأمريكية بمختلف جوانبها على بقية دول العالم بما في ذلك حلفاؤها التقليديون خاصة أولئك المتواجدين في منطقة الشرق الأوسط سواءً كان ذلك عبر الوسائل المشروعة أو غير المشروعة.
ولقد ظل حلفاؤها الشرق أوسطيون على وجه الخصوص عاجزين (في فترة زمنية ماضية) عن مقاومة النفوذ الأمريكي لعدة أسباب أهمها عدم وجود بديل قادر على توفير ما توفره أمريكا هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ضعف الإرادة السياسية القادرة على مجابهة النفوذ الأمريكي، وتحجيم عوامل سطوته عند هذه الدول.
وكانت النتيجة الطبيعية لوجود هكذا عجز أن هذه الدول فشلت في إحداث توازن يضبط العلاقة الجيوسياسية التي تجمعها بالولايات المتحدة الأمريكية وما زاد الطين بِلّة مؤخرًا بالنسبة لهذه الدول بدء أمريكا في تبني سياسة جديدة تقول ملامحها بأن هنالك محاولة أمريكية جادة تهدف للتخلّي كليًا أو جزئيًا عن بعض الثوابت التي لطالما حكمت علاقتها بحلفائها في الشرق الأوسط.
وكان من نتائج هذا التغير في النهج الأمريكي خَلْقْ عوامل دفعت الدولة السعودية على وجه الخصوص للبحث عن طرف آخر يمكنه أن يُرجح كفة مصالحها الحيوية، ويضمن حمايتها من التعرض للضرر الذي قد تُحدثه تقلبات السياسة الأمريكية خاصة بعد ثبوت أن الاستمرار في الاعتماد الكلّي على الأمريكان ضرره أعظم من نفعه.
وأسفر هذا البحث السعودي عن العثور على ضالة “محتملة” قد تحقق التطلعات السعودية تتمثل هذه الضالة في منظمة “بريكس” التي بادرت بتوجيه دعوة رسمية للسعودية ترحب فيها بانضمامها لها مؤكدةً بذلك مدى الثقل السياسي والاقتصادي بل والاستراتيجي الذي أصبحت تتمتع به المملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي، والذي يُعد في حد ذاته إضافة غاية في الأهمية يحرص الجميع شرقًا وغربًا على الظفر بها.
اللافت في شأن هذه الدعوة طبيعة الدور الذي لعبته “رؤية ٢٠٣٠” في القيام بتوجيهها؛ حيث كان لها تأثير كبير في تسهيل وتشجيع جميع أعضاء “بريكس” على المبادرة بتقديم دعوة الانضمام للسعودية بعد أن ثبت لهذه المنظمة بأن هذه الرؤية وخططها الراهنة والمستقبلية قد تمنحهم فرصًا كبيرة وواعدة أمام الاستثمار في الداخل السعودي بمختلف توجهاته التنموية والتطويرية.
ومن محاسن هذا الدعوة أيضًا أنها ساهمت في إيصال رسالة علنية مفادها أن تحقيق المصالح السعودية هو البوصلة الوحيدة التي تحكم مختلف سياسات القادة السعوديين، وتحكم أيضًا طبيعة تحالفاتهم وعلاقاتهم الدولية كما أن هذه الدعوة برهنت على أن الرهان على ابتزاز وترهيب السعودية رهان ليس فقط مرفوض، وإنما أيضًا فاشل ولا يمكن أن يجلب لصاحبه أي نفع.
الجدير بالذكر أن هذه الدعوة في حال تمت موافقة السعودية عليها تأتي ضمن حزمة من الإجراءات السعودية الأخرى التي كان لها مجتمعة الأثر البالغ في فرض تراجع أمريكي عن سياسات قادته ومواقفهم المستجدة نحو السعودية وقيادتها علّ هذا التراجع يُسهم في ترميم الخلل الذي ألحقته تلك المواقف بطبيعة العلاقة التي تجمعهم بالدولة السعودية، ولقد ظهر هذا التراجع جليًا في حدوث تغير ملحوظ في سلوك الأمريكان ونبرة تصريحاتهم تجاه القيادة السعودية وفي أسلوب تعاملهم معها، ومع نفوذها المتنامي الذي فرض على الجميع وليس فقط أمريكا ضرورة عدم تجاهله أو التقليل من أثره.
إن ممّا يجب على كل سعودي وسعودية الفخر والاعتزاز به هو الواقع الحالي الذي تعيشه بلادهم عالميًا والمكانة التي باتت تتمتع بها والتي مكنتها من تغيير نظرة وتقييم العالم بأسره لها بل وفرضت عليه احترامها، وهو ما جعل التحالف وبناء علاقة متينة معها هدف رئيسي عند الجميع بما فيهم أعداؤها التقليديين ما يُدلل على أن سعودية اليوم جعلت كسب رضاها والحرص على عدم استفزازها أو السعي لتحجيم دورها سياسة يتبناها الجميع.