إن إلف الإنسان لوطنه وحبه له أمر فطري في قلب كل إنسان، وسبب هذا الإلف والمحبة لأن الوطن هو (الأم الحنون)، هو الحضن الدافئ، والقلب الرؤوف، فيه ولد الإنسان والأهل والأخوان، ومكان ذكريات الصبا والأزمان، وتقارب الطباع والعادات واللهجات، ومهما شعر الإنسان بالسعادة فلن يجدها مثلما يجدها في وطنه الأم؛ حيث يجد العزة والكرامة والرفعة والانتماء.
لهذا فحب الوطن هو شعور داخلي يحتل كل خلية من أجسادنا، إنه إحساس عميق يجعل التخلي عنه أو الانسلاخ منه من الأمور المستحيلة.
والدليل على مدى محبة الأوطان في قلوب أبنائها ومواطنيها عند العرب قديماً، أستشهد بأبيات لابن الرومي في قصيدته عن الوطن الذي قال فيها:
ولي وطن آليت ألَّا أبيعه…. وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة…. كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
وحبَّبَ أوطان الرجال إليهم…. مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكَّرتهم…. عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا
إن الوطن هدية الأجداد وأمانةٌ للأحفاد؛ بقاؤه أمان وزواله خراب.
ففي العام ٢٠١٣م، نشر البرنامج الدولي للدراسات الاجتماعية (ISSP) دراسته التي شملت (50) دولة من الدول المتقدمة عن تأثير الوطنية على الاقتصاد؛ وكشفت الدراسة أن الدول التي يتمتع أفرادها بحس وطني عالٍ وحب تجاه أوطانهم، كانوا أكثر ثراءً ويتمتعون باقتصاد أكثر متانة، فاقتصاد المحبين لأوطانهم عادةً يسوده المنفعة المتبادلة، وحب الخير للآخر، فلا غش يدوم ويُقبل، ولا خداع ينطوي ويغض عنه، مما يسمح لزيادة الثقة في الاقتصاد المحلي ويساهم في نموه وتطويره، وفي تقرير آخر نشره البنك الدولي في العام ٢٠٢١م عن انتشار الفساد في الدول؛ بين التقرير أن الدول ذات مستوى وطنية عالٍ كان لمواطنيها أنظمة أقل فسادًا؛ ذلك لأن الأفراد ذوي الحس الوطني – على سبيل المثال – يسوؤهم أن يستولوا على ثروات الوطن الذي يتشاركونه مع إخوانهم المواطنين.
لذا تُعلمنا الوطنية حب الوطن، وبني الوطن، والتحلي بالإيثار، ونبذ الأنانية؛ مستشعرين أننا نتشارك ذات المصير الوطني.
إن حب الوطن يعني أن يؤدي كل فرد فيه عمله ويقضي حياته اليومية موقنًا بأن عليه واجبًا تجاهه، فيعمل المعلّم بأمانة في تهذيب وتعليم بني الوطن، ويربي الآباء أبناءهم على حب الوطن حتى يحترموه ويحترموا من فيه، ويطبب الطبيب بني وطنه بكل إخلاص ومهارة كما يحتمه قَسَم المهنة تجاه بني وطنه، ويبني المهندس البناء محتسبًا بني بلده في سكناهم، ويتاجر البائع بأمانة خشية الله وخشية الأذى أن يُطال بني وطنه، ويفسح السائق الطريق للسائقين الآخرين مستشعرًا أنه يشاركه مع بني وطنه وملزم بسلامته وسلامتهم.
ونحن نعيش هذه الأيام فرحة الوطن بيومه (93)، منذ توحيده على يد الملك المؤسس-رحمه الله- إلى هذه الأيام التي نعيش فيها بالأمن والأمان والهدوء والاطمئنان تحت قيادة رشيدة يقود دفتها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهم الله-؛ نردد دائمًا: “اللهم احفظ وطننا وشعبه وقيادته من كل سوء ومكروه”.
0