أجرت قناة “فوكس نيوز” الأمريكية لقاء تلفزيونيًا مع سمو الأمير محمد بن سلمان، تميز بالعديد من الشواهد والتصريحات، وتطرق للعديد من النقاط التي تهم ليس فقط الداخل السعودي، وإنما حتى الداخل الأمريكي وصنّاع القرار فيه وأيضًا كل من يهمه الشأن السعودي ما جعل هذا اللقاء يحمل أهمية بالغة عنوانها الرئيس توضيح وشرح المواقف السعودية حيال قضايا متعددة داخلية وخارجية بأسلوب تعمد سموّ ولي العهد أن يتسم بالشفافية الخالية من أي تحفظ أو تورية.
ومن مميزات هذا اللقاء أنه كان باللغة الإنجليزية ما ساعد سمو ولي العهد على إظهار صورة غاية في الإيجابية عن سموّه، وعن كافة التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي تنتهجها المملكة كما مكّنه أيضًا من الرد بجلاء تام على كافة المآخذ التي كان الفرد الأمريكي يحملها تجاه سموّه شخصيًا وتجاه السعودية بشكل عام، ويحتاج لفهم واستيعاب وجهة النظر الرسمية السعودية حول تلك المآخذ وحقيقة تقييم السعوديين لها وحكمهم عليها.
ومن المعلوم أن أبرز هذه المآخذ الأمريكية على السعودية وشعبها هو هجوم ١١ سبتمبر ذائع الصيت، والذي بيّن سموّ الأمير محمد في تعليقه عليه بأن الهدف الرئيسي من القيام به هو إفساد العلاقة السعودية الأمريكية واستطرد قائلًا بأن ما على الأمريكيين إدراكه في هذا السياق أن السعودية استهدفتها هي أيضًا أحداث إرهابية مماثلة كبّدتها الكثير من الخسائر البشرية كان وراؤها نفس الشخص المسؤول عن ذلك الهجوم ما يجعل كلا الشعبين في هذا الشأن ضحايا لا جناة.
وعند التطرق لمقتل الصحفي جمال خاشقجي أكّد سمّوه ما أورده سابقًا في تصريحاته المُدينة لتلك الحادثة، والتي أعلن من خلالها تحمله مسؤولية ما حدث ونتيجة لذلك أشرف سموّه بنفسه على إحداث مراجعات أمنية تمنع تكرار تلك الحادثة تمامًا كما فعلت أمريكا مع الأحداث التي ارتكبها جنودها في العراق، وأضاف بأن كافة الدول معرضة لحدوث مثل هذه الاستثناءات وما يهم هو كيف يتم التعامل معها ومدى الإيجابية التي يُحدثها ذلك التعامل.
وعلى صعيد الصراع الروسي الأوكراني أوضح سموّ الأمير موقف السعودية الإيجابي من هذا الصراع، وكيف أن بإمكان السعودية لعب دور الوسيط بين الطرفين نتيجة للعلاقات الجيدة التي تربطها بهما باعتراف مسؤولي كلا البلدين مفندًا بذلك الاتهامات التي تزعم بأن السعودية تدعم الجانب الروسي على حساب الجانب الأوكراني؛ نتيجة مواقف أوبك+ النفطية وموضحًا في نفس الوقت بأن مواقف السعودية الاقتصادية لا يحكمها إلا العرض والطلب والسعي لإحداث توازن في السوق النفطي العالمي، وليس الوقوف إلى جانب طرف ضد طرف كما يتهمها البعض.
أمّا بالنسبة للتطبيع السعودي الإسرائيلي الذي يجري الحديث عنه حاليًا؛ فقد قال سمو الأمير وبصريح العبارة بأن موقف السعودية واضح في هذا الشأن وأنها تجعل حل القضية الفلسطينية أساسًا ثابتًا لا بد من تحقيقه إذا أرادت إسرائيل حقًا تحسين علاقاتها إقليميًا؛ بالإضافة إلى أن على الولايات المتحدة تلبية المطالب السعودية الأخرى حتى يمكن تحقيق التقدم الملموس في التعامل مع هذا الموضوع.
وحول التقارب السعودي الإيراني الذي نتج عنه مؤخرًا تحسنًا ملحوظًا في العلاقة بين البلدين، والذي كان للصين دور في تحقيقه بعد أن طلبت التوسط بين الجانبين، أكّد سموّ الأمير بأن السعودية بهذا التقارب تُبدي سعيها الدؤوب لتصفير المشاكل القائمة حولها وإظهار رغبتها الصادقة في عدم كسب عداوة أي طرف إلا أن السعودية رغم ذلك كما أوضح سموّ الأمير في معرض رده على سؤال يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني ستسعى بكل السبل لحماية سيادتها وأمنها القومي؛ حيث قال وبوضوح تام أن السعودية في حال توصل الطرف الإيراني للقنبلة النووية ستبادر بدورها لتحقيق ذات الأمر.
كان هذا على الصعيد الخارجي والإقليمي أما على الصعيد الداخلي فذكر سمو الأمير محمد بأن السعودية تعيش نقلة جبارة على مختلف الصُعد التنموية والحضارية وليس فقط السياسية والاقتصادية، وهذا ما شهد به المذيع الأمريكي نفسه عندما أكّد حدوث هذه النقلة وتطرق لكيف ينظر لها الكثير من السعوديين الذين التقى بهم، والذين أظهروا له بأنهم يجدون في ظلّها تجسيدًا لطموحاتهم وتطلعاتهم وهو ما يجعلهم يقدمون الدعم الكامل لجميع مساعي ولي العهد ولمختلف تحركاته وقراراته المعنيّة بتحسين أسلوب معيشتهم وتعزيز مكانة بلدهم.
كما أكّد سمّوه بأن هذه التغييرات الجارية حاليًا في الداخل لن تتوقف وإنما هي مستمرة حتى بعد تحقيق مستهدفات رؤيته الحالية “رؤية ٢٠٣٠” حيث أعلن أنه سيطلق رؤية أخرى بحلول عام ٢٠٢٧ / ٢٠٢٨ تحمل مسمّى “رؤية ٢٠٤٠” ما يُدلل على أن تطلعاته لا حدود لها وأنها ستستثمر كافة الفرص المتاحة وستستغلها بأفضل الوسائل الممكنة، وهذا يعني بأننا موعودون كشعب سعودي بالمزيد من الإنجازات والنجاحات.
ختامًا.. أثبت هذا اللقاء المهم والواضح والصريح بأن القيادة السعودية ممثلة في سموّ الأمير محمد تعمل على قدم وساق على تحقيق كافة الطموحات والتطلعات التي يبحث عنها شعبها، ويرغب في التمتع بها، وأنها ستذلل في سبيل ذلك أية عراقيل قد تواجهها كما أظهرت هذه القيادة من خلال أقوال وأفعال سموّه أنها حريصة على إظهار الصورة الحقيقية للمواطن السعودي وعلى جعل نهجها الذي تعتمده داخليًا وخارجيًا نهج يُضرب به المثل وقدوة تنال إعجاب الجميع.