المقالات

مصداقية البحث العلمي!!

نشرت صحيفة (الوول ستريت) الأمريكية في يوم 24 من شهر سبتمبر2023م عن ثلاثة من الأكاديميين في علم (السلوك الاجتماعي) وهم: (جو سيمونس) من جامعة بنسلفانيا، و(ليف نيلسون) من جامعة كاليفورنيا بيركلي، و(يوري سمونسون) من جامعة رامون ليول ببرشلونة؛ جمعهم حس مسؤول بمصداقية البحث العلمي، وباتوا معروفين في الأوساط العلمية بأنهم يقومون بالكشف عن الأوراق العلمية “المكذوبة”.

أطاح هذا الثلاثي بأحد أهم الأساتذة الباحثين في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد (فرانشيسكا جينو) والحاصلة على عدة جوائز، كاشفين أن أربعةً من أعمالها كانت مبنية على معلومات مفبركة! فقامت الجامعة بعزلها، ما حدى بها أن تقوم برفع قضية رد اعتبار على الجامعة والثلاثي الأكاديمي الاستقصائي؛ مطالبة بتعويض يصل إلى ٢٥ مليون دولار!

ويبدو أن هناك توجهًا للعديد من الباحثين في مجالاتٍ شتى للخوض في الكثير من الأعمال البحثية لغرض تفنيدها؛ فبحسب موقع (Retraction Watch) أو “الشاهد على السحب” -المعني بعدّ الأبحاث العلمية التي تسحب بعد النشر في المجلات العلمية- تبين بأنه في عام 2022م، تم سحب حوالي (٥٥٠٠) ورقة علمية “معطوبة”، مقارنةً بـحوالي (١١٩) ورقة سحبت عام ٢٠٠٢م، من أصل (٥٠,٠٠٠) ورقة مسحوبة في القرن الحالي.
كان ذلك بفضل جهود أكاديميين يقومون بالإشارة لعيوب هذه البحوث وبالاستفسار عنها من الباحثين، والتواصل مع المجلات العلمية الناشرة لتلك البحوث وإبداء آرائهم العلمية بخصوصها، وفي حال كانت العيوب جسيمة يطالبون بسحبها.

ويذكر أنه في الشهور الماضية استقال أستاذ علم الأعصاب ورئيس جامعة ستانفورد الأمريكية (مارك تيسرلافين) بعد أن تم الكشف عن عيوب جسيمة في ثلاثة أعمال بحثية شارك في نشرها، وكان لعزل رئيس جامعة بهذا الثقل صدى واسع في الأوساط العلمية. علمًا بأن كل هذا الكذب والتزوير في محتوى البحث العلمي قد يكون بسبب ترقية ما أو تمويل بحثي من جهة يرغب الباحث فيه؛ فيقع في فخ الكذب والتدليس العلمي.
وأشهر مثال على الأبحاث العلمية (المزورة) في المجال الطبي؛ الجدل الذي حصل حول ما يسمى (التطعيم الثلاثي) الذي أسهم بشكل فاعل في رفع مستوى مناعة الأطفال ضدَّ الأمراض الثلاثة الخطيرة: (الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية).. وبعد مرور سنوات من استقرار الوسط الطبي على ضرورة هذا التطعيم وأهميته، كتب الطبيب (أندرو جيرمي) من المستشفى الملكي بلندن عام 1998م بحثًا انتهى فيه إلى وجود علاقة ترابط جزئي بين التطعيم الثلاثي ومرض التوحد عند الأطفال! كان من سببه ارتفاع نسبة الوفيات بهذه الأمراض بين الأطفال لامتناع عدد كبير من الأسر عن تطعيم أطفالهم. وبعد سنوات نشرت “الصنداي تايمز” تحقيقًا كشفت فيه شبهة تقاطع مصالح مالية، وتلاعبًا بالنتائج.
وتم التحقيق مع الطبيب ومنع من ممارسة الطب نهائيًا، وقد وصف هذا البحث الذي أدى إلى كوارث إنسانية بأنه (الكذبة الطبية الأكثر دمارًا منذ مئة عام).

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى