إنَّ الإنسانَ يولدُ في هذه الحياةِ، ويقضي فيها عُمُرًا، ثمَّ يُغادِرُها؛ لأنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- لم يكتُبِ الخلودَ لبني الإنسانِ، بلْ جعَلَ لهم أعمارًا وآجالًا تطولُ وتقصُرُ، ولكنَّها تَفْنى في النِّهايةِ وتنقضي.
قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفۡس ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ﴾ [العنكبوت: 57]
وإنَّما الذي يَبْقَى من الإنسانِ بعد رحيلِهِ عَمَلُهُ وذِكْرُهُ ..
يبقى له العملُ الذي تثقُلُ بِهِ موازينُهُ، ويستمرُّ به عَدَّادُ الحسناتِ في الحسابِ . قال صلى الله عليه وسلم: (إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عملُهُ إلا مِنْ ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو عِلْمٍ يُنتفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له).
عن سعيد بن العاص أنه قال: يا بُنيّ، المكارم لو كانت سهلة يسيرة لسابقكم إليها اللئام، ولكنها كريهة مُرَّة لا يصبر عليها إلا من عرف فضلها، ورجاء ثواها.
ويبقى للإنسان أيضًا الذِّكْرُ الحسنُ الذي تلْهَجُ به الألسنةُ، وتردِّدُهُ القلوبُ.
وقد أَحْسَنَ أميرُ الشعراءِ شوقي حينَ أطْلَقَ حِكْمَتَهُ البليغةَ:
وَخُذْ لكَ زَادَيْنِ مِنْ سِيْرةٍ … ومِنْ عَمَلٍ صالحٍ يُدَّخَرْ
وكُنْ رَجُلًا إنْ أَتَوا بعدَهُ … يقولونَ مَرَّ وهذا الأَثَرْ
قالَ الأصمعي: كانَ أشْيَاخُنا يَقُولُون: عَاشِروا النَّاسَ بخُلق حسن، ثمّ أنشأ يَقُول:
كلُّ الأُمُورِ تَزُولُ عَنْكَ وَتَنْقَضِي … إلا الثَّنَاءَ فَإنَّهُ لَكَ باقِ
ولو أنني خيرت كل فضيلة … ما اخترت غير مكارم الأخلاق
والنَّاظرُ في السِّيَرِ والتَّواريخِ لا يجدُ أجدَرَ بحَمْلِ هاتينِ الفضيلتينِ: فضيلةِ استمرارِ العملِ، وبقاءِ الذِّكْرِ.
0