العيون هي أول ما تقع عليه العين عندما يتقابل النّاس، ولها لغتها الخاصة التي تعتبر أبلغ من لغة الكلام كما هو معروف:
يكلّمها طرفي فتؤمي بطرفها … يخبّر عما في الضمير من الوجد
فإن نظر الواشون صدت وأعرضت … وإن غفلوا قالت: ألست على العهد؟
وقد تتعطّل لغة الكلام، وتبقى لغة العيون قائمة بالاتصال بأوضح وأقوى ما يكون:
وتعطّلت لغة الكــلام، فخاطبت … عيناي في لغة الهوى عيناك
وقديمًا لم نكن ننظر في الشخص الذي نقابله إلَّا إلى الوجه ومركزه العيون. ولم يكن اهتمامنا شكليًا كما هو عليه الحال اليوم.
في شعر العرضة ينعدم ذكر العيون لأن المقام لا يناسب، فتقتصر قصائد الشعراء على المدح والفخر والهجاء المغلّف الذي لا يحتاج إلى ذكر العيون إلا نادرًا.
يقول الهريري:
مضى هذّال خلف الصف وأشّر
بنظرة كنّها لمع المعشّر
وهو هنا وإن استعمل النظرة إلا أن غرضه التهكّم والسخرية، فلا يلْمع نَظَره إلاّ القطّ، وخاصةً من خلف الصفوف.
أما في قصائد طرق الجبل والزّمل والمجالسي؛ فإننا نجد الشعراء يوظّفون “العين” ولغتها بما يناسب مقامها.
يقول أحدهم:
كِنّ الجواهر على خده وحجّب “عيونه”.
والكِنّ هنا هو المسكن والمأوى وليس كما يعتقد البعض تشبيهًا، فالجواهر ساكنة ومستظلة في خده وحجب عينيه.
ويقول آخر:
أموت في “نظرة” المحبوب وأهداب “عينه”.
قد يموت من النظر وقد تكون الأهداب (الرموش) الغزيرة هي المتسببة في موته.
وقد يكون النظر جارحًا، ولكن ليس إلى درجة القتل، كما هو في هذا البيت:
الكون من رمش “عينه” والدواء في هروجه.
ويبقى الكون سهلًا، خاصة إذا كان له دواء من حاسة أخرى من حواس المحبوب، إلا أن مجرّد لحظْ بعضهم يكون مؤثرً بعض الأحيان بدرجة كبيرة:
كل السيوف قواطعٌ إن جُرِّدَتْ …مابال “لحظك” قاطعٌ في غِمْدِه .
والنظر هو وسيلة الاتصال الأبلغ والأقوى، وخاصة في مسألة الهيام والعشق فحتى لو خفق القلب عند السماع قبل النظر أحيانًا:
يا ناس أذني لبعض الحيّ عاشقة .. والأذن تعشق قبل “العين” أحيانًا.
إلا أن العين تبقى هي “العاشق ” الرئيس .
يقول الشريف الرضي:
هامت بِكِ العينُ لم تتبع سِوَاكِ هوى … مَنْ علّم العين أن القلبَ يهواك.
وإذا كان أبلغ ما قيل في شعر الغزل هو بيت جرير المشهور:
إن العيون التي في طرفها حورٌ.
فإن عمر بن أبي ربيعة عصره (ابن جبران) قد صرعته عيون بنت صين الصين التي شبهها “بالعوّام” الشديد السواد المتواجد دائما في كظائم الماء الشديدة الصفاء.
وعـينـهـا العـوام وإلاّ عـيـن دابـــي.
لم يسبقه أحد في هذا التشبيه البليغ الذي استعمل فيه العوّام بما يرسمه من حركات سريعة في صفاء ماء الغدير أو الكظامة العذب الذي لا تزيده حركة العوام فيه إلا سحرًا وجمالًا؛ بحيث يتركّز نظر العيون إلى ذلك العوام، ويتابع حركته كمتابعة المُحِبّ لعيون فاتنته التي تتحرك بَردَة عينها السوداء داخل بياضها الناصع.
وفي قصائد اللعّب يميل شعراء الجنوب إلى الغزل الذي يأتي فيه ذكر العيون، ولكن بكثير من التحفظ والأدب.