المقالات

أكتوبر غزة: حرب إسرائيل الخامسة

لم يكن السابع من أكتوبر 2023 يومًا عاديًا في تاريخ النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، ففي صباح ذلك اليوم، نفذت حركة حماس الفلسطينية هجومًا واسع النطاق على إسرائيل لم يسبق له مثيل تقريبًا من حيث حجمه ونطاقه، وقد وصف البعض هذا الهجوم المفاجئ بأنه أعنف هجوم على أراضيها منذ نصف قرن، فيما وصفه البعض الآخر، بأن تأثيره على الإسرائيليين مماثل لتأثير هجمات 11 سبتمبر على الأمريكيين. فقد أطلقت حماس ما يُقارب من 5000 صاروخ من غزة في غضون نحو نصف ساعة، تسللت مجموعات من عناصرها خلالها إلى مستوطنات غلاف غزة، عبر الحدود، حيث استطاعت التغلغل في نحو 22 مستوطنة إسرائيلية، وقتلت العشرات وجرحت المئات وأسرت العديد من الجنود الإسرائيليين والمستوطنين بما أعاد إلى الأذهان ذكرى حرب أكتوبر 73، التي حطم خلالها الجنود المصريون خط بارليف وعبروا الضفة الشرقية لقناة السويس رافعين العلم المصري.

واعتبر هذا التغلغل غير المسبوق الذي تمَّ برًا وجوًا وبحرًا لمسلحي حماس مفاجئًا للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي أصيبت بخسائر بشرية ومادية غير مسبوقة، ففي يوم من القتال العنيف، استولت قوات حماس الفلسطينية على مجموعة من القواعد العسكرية، وسيطرت على البلدات الإسرائيلية على طول الحدود، واقتحمت معبر إرتز الحدودي، وبلغ عدد القتلى الإسرائيليين في اليوم الأول من تلك المعركة 700 قتيل وأكثر من ألفي جريح؛ إضافة إلى عشرات من الأسرى بينهم جنرالان إسرائيليان، كما استولى المقاومون على العديد من الدبابات والمدرعات وعادوا بها إلى القطاع، وأسقطوا طائرتي أباتشي.

استمرار التسلل البري لمسلحي حماس إلى البلدات والقرى الإسرائيلية الواقعة على أطراف القطاع رغم إعلان نتنياهو الحرب على غزة ــ وهو تطور غير مسبوق خلال الأعوام الستة عشر التي تلت سيطرة حماس على القطاع ــ أعطى الدليل على أن المقاومين الفلسطينيين ما زالوا يقبضون على زمام المبادرة.

ويرى مارتين انديك السفير الأمريكي السابق في إسرائيل أن ما حدث يعتبر بمثابة فشل كامل للنظام فقد اعتاد الإسرائيليون أن يعرفوا ما يفعله الفلسطينيون بالضبط من خلال وسائل التجسس المتطورة لديهم، وقد بنوا جدارًا مكلفًا للغاية بين غزة والمستوطنات الواقعة على الجانب الإسرائيلي من الحدود، لقد كانوا واثقين من أن حماس قد تمَّ ردعها عن شن هجوم كبير: فلن يجرؤوا على ذلك، لأنهم سوف يُسحقون، ولأن الفلسطينيين سوف ينقلبون ضد حماس لأنها ستتسبب في حرب أخرى. وكان الإسرائيليون يعتقدون أن حماس أصبحت في وضع مختلف الآن: فهي تركز على وقف إطلاق النار طويل الأمد، حيث يستفيد كل جانب من ترتيبات “عش ودع غيرك يعيش”. ويستطرد إنديك: ” لكن اتضح أن هذا كله كان خداعًا كبيرًا. ولذلك يشعر الناس بالصدمة – وكما حدث في 11 سبتمبر، هناك شعور بأن “كيف يمكن لحماس أن تتمكن من تحقيق هذا؟ كيف يمكن أن يتمكنوا من التغلب على مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي القوي وقوات الدفاع الإسرائيلية الجبارة؟” ونحن لا نملك إجابات جيدة حتى الآن، ولكنني متأكد من أن جزءًا من السبب كان الغطرسة – اعتقاد إسرائيلي بأن القوة المطلقة يمكن أن تردع حماس، وأن إسرائيل لم تكن مضطرة إلى معالجة المشاكل طويلة الأمد.

وفي رد الفعل الإسرائيلي الانتقامي على القطاع من خلال القصف الوحشي للقطاع وهدم المنازل على رؤوس أصحابها، واحتمال اقتحام إسرائيل للقطاع، يرى إنديك أن الوضع الراهن يضع إسرائيل أمام مشكلتين. الأولى هي أن إسرائيل سوف تقاتل في مناطق مكتظة بالسكان، وأن الاحتجاجات الدولية ضد الخسائر في صفوف المدنيين التي قد تلحقها إسرائيل بأسلحتها الأمريكية المتطورة من شأنها أن تحول الإدانة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، وتفرض الضغوط على إسرائيل لحملها على التوقف. المشكلة الثانية هي أنه إذا نجحت إسرائيل في حرب واسعة النطاق، فإنها ستمتلك غزة، وعليها الإجابة على الأسئلة: كيف سنخرج؟ متى تنسحب؟ لصالح من تنسحب؟ ولنتذكر أن الإسرائيليين انسحبوا بالفعل من غزة عام 2005، وهم لا يريدون العودة إليها.

الحرب الراهنة بين حماس وإسرائيل قد تستغرق فترة طويلة، لكن من المؤكد أنها ستجر المنطقة إلى مرحلة جديدة في اتجاه تخفيف معاناة الفلسطينيين وتقريب حل الدولتين.

د. إبراهيم فؤاد عباس

مؤرخ ومترجم وكاتب - فلسطين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى