في أوقات الفتن وإبان زمنة المحن، تنشط القالة على كل اللسان وتخلط الأوراق، وتتعاظم الإشاعات، ويقع عادة السذج والبسطاء والمتعجلون ضحاياها!!!!، فكيف إذا كنا في زمن يدير المشهد الإعلامي العام أجهزة، وخبرات، ومراكز أبحاث، ومخططون، وخبراء، ووسطاء، وأطراف جدد يملكون الدهاء والمكر في الوسائل والأساليب، فمن السذاجة المتناهية، تقبلها وتبرئتها وإضفاء البراءة عليها واستقبالها بعفوية!!!!، وأحداث غزة اليوم يستثمرها الصهاينة في توتير العلاقة بين الحكام العرب والشعوب العربية من جهة، وبين الشعوب العربية فيما بينها من جهة أخرى، ونرى كذلك التراشق بالتهم والشتائم بين التيارات الإسلامية والعلمانية العربية، ويُظن بادئ الرأي أنها طبيعية كلا وألف كلا!!!!!، فما عاد هناك ما يخفى ما وراء الأكمة!!!، وخير سبيل لكشف الحقيقة وفضح الجناة، عدم التركيز على أسماء المتورطين في حمأة هذه الفتن فهم فوق الحصر!!!!، بقدر ما ننظر بدقة وفحص إلى الظروف الموضوعية التي تُثار فيها هذه المعارك الكلامية ومضامينها ورسائلها الضمنية!!!!، فهل من المعقول والمنطق أن نختزل الموقف من غزة وسكانها الذي يزيد عددهم عن مليونين ونيف في موقف من هذه الجماعة أو تلك؟؟!!!
وهل من المنطق والعقل فضلًا عن الشرع الحكيم توجيه اللوم على الفلسطيني المحاصر والمعذب والذي يذيقه الصهاينة ألوان العذاب منذ عقود؟؟؟؟!! والذي يصح تنزيل المقولة الشهيرة عليهم (مكره أخاك لا بطل)!!!وليس غريبًا أن نسمع ونقرأ التصريحات الماكرة للصهاينة اليهود بمن فيهم رئيس الوزراء الصهيوني (نتنياهو) بتصوير الحرب الصهيونية ودمارها بأنها ضد الإرهاب كما يزعم!!!! ويحاول استعداء الحكام العرب ضد إخوانهم (الشعب الفلسطيني في غزة) !!!، وهو الذي يمثل الإرهاب ظاهرًا وباطنًا!!!!، فالحرب الصهيونية مفتوحة على جميع أبوابها سياسية، وعسكرية، واقتصادية، وإعلامية!!!، ولكن الغرابة ظهور فتاوى المتكئين على فرش متقابلين!!!، بإثارة الخلافات البينية وبعث خصومات التيارات المتناحرة، وتنزيلها على شعب مسلم أعزل مظلوم!!!!، ومن آيات خبثهم استدعاء فتاوى لعلماء لحقوا بالرفيق الأعلى وتنزيلها على واقع جديد متغير بكل المعايير!!!! ولا تسري فيه العلة الصحيحة!!!، ولا يتحقق فيها تنقيح المناط، ولا تخريجه، ولا تحقيقه!!!!، وكل ذلك بتكلف وازدواجية المعايير من أجل تصفية الحسابات الحزبية والفئوية!!!!، وروينا عن علماء أجلاء النهي عن الخوض في الفتن نظرًا لدقتها وحساسيتها يقول الإمام الحسن البصري (رحمه الله): (إن الفتنة إذا أقبلت عرفها العالم، وإذا أدبرت عرفها الجاهل) !!!! فالجاهل يخوض ويخبط فيها خبط عشواء، حتى إذا أدبرت أدرك مغبة جهله وجرأته، بينما العالم يعرف خطورتها ويعرف أبعادها!!!!، وما يجري اليوم هي حرب عوان يشنها الصهاينة اليهود على المسلمين المحاصرين في كانتونات ومن ورائهم أساطيل الصليبيين يمدونهم بالأسلحة الفتاكة، ويشاركون بكل ما يملكون في قتل شعب أعزل محاصر ومقطوع عنه الطعام والشراب والغاز والكهرباء!!!!…
وينشط الإعلام الإيراني وأبواقه وأدواته في بث الإشاعات ضد العرب، محاولة فاشلة ومكشوفة منه ومن ما يسمى (بجبهة الممانعة) للتستر على خذلانهم للمنظمات الفلسطينية في غزة من خلال مهاجمة الدول العربية وحكامها وشعوبها، لتغطية تواطئهم مع العدو الصهيوني!!!!!، وقد أورد الرئيس الأمريكي السابق (ترامب) دليلًا وشاهدًا على مدى علاقة إيران بالعدو الصهيوني!!!! وصرح بشهادته تلك بسماعه من لسان نتنياهو عن حميمية العلاقة بينه وبين زعيم الحزب الإيراني في لبنان المدعو حسن نصر إيران!!!!!، وما كان لهذا الحزب المجرم العميل أن يخطو خطوة واحدة دون أخذ الإذن من سلطة أسياده في طهران (الولي الفقيه).
فلندرك خطورة مغبة الانسياق وراء الإشاعات والتعجل في تصديقها أو نشرها…. ولنضع مضمون الآية الكريمة لنا شعارًا ومنهجًا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(الحجرات: 6)
أ.د غازي العارضي