المقالات

الدين والحياة

الدين هو منهج حياة وضعه الله سبحانه وتعالى وفيه طبيعة العلاقة بالله، ومع النفس ومع الأقارب، ومع الناس جميعًا من المسلمين وغيرهم بالعدل، ومراتب الدين الثلاثة تُخاطب مكونات الإنسان فالإسلام يخاطب الجسد لأن أركانه تتطلب جهودًا جسدية، والإيمان يُخاطب الروح حيث تسمو من خلاله إلى الله بعلاقة روحية وثيقة يسعد بها الإنسان في الحياة، والإحسان يخاطب العقل باستشعار عظمة الخالق وقدرته واطلاعه على علانية وسر الإنسان مما يجود مستوى العلاقة بين العبد وخالقه، ويرتقي بمستواها بما يليق بعظمة الخالق.
وطرفا المعادلة الدين وهو من الله كمنهج حياة والتدين من البشر عبر تطبيقهم لهذا المنهج في حياتهم باختيارهم خالصًا لله، وما ينتج عن ذلك بين الناس، فهناك شخص صالح في نفسه، وشخص مصلح يختص بنفسه، ويدعو غيره لمنظومة القيم للدين لتحفيزهم لتطبيقها لما لها من أثر على سلوكهم.
كما ينتج عن ذلك لدى البعض بأن يلتزم بالدين ويظهر سمته عليه بما ينفع نفسه، لكن لا ترى أثر ذلك على تعامله مع الآخرين، مما يقدم نموذجًا سيئًا ينفر الناس من المتدينين، ولذلك نجد بعض الناس تتفاوت سلوكياتهم في التعامل مع الآخرين؛ فمنهم من يعاملهم بما يعاملونه، ومنهم من يعاملهم بما يحب أن يعاملوه به، ومنهم من يعاملهم بما يرضيه، ومنهم من يعاملهم بما يرضي الله، وهذا أرقي مستوى في التعامل.
وتأتي أهمية الدين في حياتنا في أنه يُمثل لنا دليلًا للسعادة في الدارين، فقد استطاع النبي -صلى الله عليه وسلّم-إخراج الناس من ضلال المعصية إلى نور الهداية، بتنظيم جميع جوانب الحياة، ومنها العلاقات بين الناس بمستوياتها الرأسية والأفقية اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا ودوليًا. وهناك من الناس من لديه فهم وتطبيق للدين بما يناسب هواه، ومنهم من يعتبره ترفًا فكريًا من التراث نعتز به دون تطبيقه بفصل الدين عن الحياة، ومنهم في المقابل من يرى نفسه وكيل الله في الأرض ومسؤولًا عن تدين الناس بالإكراه مع أن الله أن أمرنا بالدعوة إليه، ولم يحاسبنا عن قبول الناس وأجرنا مضمون، ولا ينقص منه شيئًا إذا لم يلتزم به الناس، مما يجعله يعمل على تصنيف الناس إلى الجنة أو النار.
ومنهم من يعمل على إخضاع الدين لواقع الناس، “والدين جاء ليحكم حياة الناس ويصحّح مسارهم، لا أن يُحكم بواقعهم، وقد يؤدي ذلك إلى تحويل الثوابت إلى مُتغيراتٍ، والتخلي عن الدين، فأبناء الأُمة بحاجةٍ ماسّةٍ إلى معرفة الثوابت، وإيجاد التصوّر الذي يأخذ بأيديهم إلى طريق الهدى، ولا يمكن بناء هذا التصور إلّا بفهم حقيقة الدين”، والدين تعامل مع كل مكونات الإنسان من روح وجسد وعقل ومشاعر وغرائز بتغذيتها وتهذيبها؛ مما يجعل الإنسان يعيش حياة مليئة بالاتزان والتكامل، وقد جسَّد لنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان قرآنًا يمشي بين الناس.
وجعلنا الله بهذا الدين أمة وسطًا دون تقصير يؤدي إلى التفريط بالدين أو غلو يقود إلى الإفراط والتطرف والإرهاب، وتظهر وسطية الدين في الجمع بين متطلبات الروح والجسد، التوازن في التعامل مع متاع الدنيا، احتواء التشريعات للثبات والتطور في الأهداف، المرونة في التعامل مع غبر المسلمين، والسير وفق “مقومات الوسطية بالاعتدال والتوازن فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تقصير في جوانب الحياة بتوازن بين الروح والجسد وبين الدنيا والآخرة، وبين الثابت والمتغير، وبين القديم والجديد، وبين النقل والعقل، وبين الدين والدولة، وبين المقاصد والوسائل، وبين الفرد والجماعة وغيره”.
والمملكة العربية السعودية تُمثل الاعتدال في الإسلام وتنتهج المنهج الوسطي السوي الذي هو منهج سلفنا الصالح، وإلى جانب الاعتدال والوسطية، تقوم بمحاربة الغلو والتشدد، والإرهاب والتطرف، من خلال المؤتمرات واللقاءات، والاجتماعات والندوات، والتعاون مع العلماء والقادة، في الدول الشقيقة والصديقة، وقد ساهمت دوليًا في تأسيس مراكز لمحاربة الإرهاب والتطرف. برعاية خادم الحرمين الشريفين، وإشراف من سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء-حفظهما الله-.

– عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام – جامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى