تأخذنا الذاكرة وتصول بنا في زحام من الأحداث، وزخم عريض من المواقف والتواريخ، وهناك لحظات تبقي فاصلة بين حياة وحياة وبين ما قبل وما بعد.
هي لحظتي الخاصة والتي كانت فاصلة بلونها الداكن وأرقامها المتباينة.
الثامن من مايو ٢٠١٩ ربما لا يربطكم به شي، ولكنه يربطني بلحظة كانت أشبه ما تكون تغيير مختلف في ذلك العمر الطويل أو ما يمكن تسميته بالطويل رغم انعدام طوله.
(يا شباب لا تحاولون خلاص هي متوفيه متوفيه) صوت أجش لِطَيفٍ مع بعض ملامحه تمثل ربطاً بين حياتي وتاريخ مهم فيه وشكل حالتي الطارئة وعجزي عن معانقة أنفاسي كما كنت أفعل.
عشرة أطباء في محاولة حقيقة لإنقاذ ما تبقى لدي من حياة. أسعفوني لكنّي لا أتذكر ملامح أي أحد منهم إلا أني لن أنسى وجه وصوت أخصائي زعم حينها “لا أمل ولا جدوى” من محاولة إنقاذ ذلك الهيكل.
أغمضت عيني غير مبالية وسبحت في نوم عميق ليس يوم أو يومين بل أيام عدة وليالٍ طوال.
استيقظت بعد عدة أيام وصاحبَ ذلك الاستيقاظ جرعات مضاعفة من المواد المخدرة والمسكنة، وأنا أصرخ ألمًا وانزعاجاً من كثرة الأنابيب داخل فمي!
أنابيب كبيرة موجودة لتساعد رئتي الصغيرة على التنفس، عبثاً لتبقيني على قيد الحياة، كانت بمثابة من يحاول جاهدًا في خنقي وكتم أنفاسي عمداً!
ثلاثة أشهر قضيتها بالعناية المركزة لتتشكل سيناريوهات أثبتت لي أن أفلام الكرتون والمسلسلات ليست مجرد تمثيل مختلق، بل يمكن أن تكون حقيقة ليكون ما عشته تجسيداً لتلك الصور الخيالية والأحداث الكرتونية.
فتحت عيني مرة أخرى بعد محاولة تخفيف التخدير، وكل ما حولي يدور، كأنني داخل أرجوحة لا تتوقف عن الدوران
والممرضات يرتدين لباسهن الأصفر ليقمن بما كنت أقوم به بنفسي في يوم من الأيام من عناية واهتمام ولكل شيء رسالته.
كانت الكوابيس والأحلام التي رأيتها لا تغادر مخيلتي، حتى أنني رأيت منها بداية خلق الإنسان وكيف صنع آدم عليه السلام من الطين على هيئته! ووضع اسمي بجانب اسمه، وصرخت مدعية بأنني أصغر سناً منه في سلسلة قياس مكتوب عليها تواريخ الميلاد، ومنفذ عبور مغلق شديد الضيق، عبرت منه بصعوبة بالغة، صاعدة إلى الأعلى ليخرج رأسي من ذلك النفق.
بعدها عُدتُ للحظةَ التي جاءت بي إلى ذلك المكان، قامت ذاكرتي باستدراج الحادثة شيئا فشيئاً، حين كنا نصرخ فيها جميعاً باسم أخي محذرين من سيارة قادمة من الجانب الأيمن مقتصدا الدخول علينا بسرعة الضوء، قبيل وقوع الكارثة بثواني معدودة، وقع الحادث على أية حال، وانقطعت الأصوات، ليغيب الجميع عن الوعي لدقائق، وعيت وإذا بي في أسفل المقعد عند موضع الأقدام متحطمة الرقبة، الكل في الخارج ينتظر، محاولين فتح الباب، وأنا أردد ” لا أحد يلمسني لا أحد يسحبني ماقدر أتحرك”
أنظر لأعلى وإذ جميع أخواتي مرتميات بوجوه تنزف دماً، وصوت أنينهم يخترق الهواء، يالله …. أدركت حينها بأننا أصبحنا أنقاض وأن اللحظة الراهنة هي واقع وليست أضغاث أحلام.
وقفة: هل تعرف أحساس الأم أو تعرف مداه؟
أنه حقاً بلا مدى وليس له نهاية واستشعر ذلك حتى الآن حين اتصلت بي لحظة الحادث تماما وكأنها تشاهد الموقف
حتى أنها بقيت مكالمة لم يرد عليها إلى أن تم فتح الهاتف بعد أربعة أشهر.
نقلنا على طوارئ ثلاث مستشفيات مختلفة، ولم أستوعب حينها إلا دموع وانهيارات الآخرين وتساقطهم من حولي مع عدم معرفة هول ما حلّ بي. وكأن الله بلطفه وقدرته يمسح على قلبي وذاكرتي بأن لا أدرك شيئاً أو حقيقة إصابتي وخسارتي إلا بعد تسعة أشهر من وقت الحادثة.
فهمت كل أنواع الأدوية وطريقة التمريض، وعشت بين ضغط منخفض غير طبيعي ونبضات قلب هابطة ودوبامين غير كافي للعيش، كما أني عشت بلا ماء وبلا طعام، وبين مخاطر فتحة التنفس في الحنجرة ومراقبتها وحجم الألم والخوف الذي يأتي عندما تنفتح تلقائياً وأفقد تنفسي ليرن جرس الإنذار ويأتون مهرولين لإغلاقه مرة أخرى.
لكنني لم أتسائل يوماً لماذا لا أستطيع الحركة!!!!
كانت أكبر مخاوفي تأتي عندما ترحل أمي وأهلي جميعًا بعد الزيارة، خشية أن أبقى بمفردي داخل تلك الغرفة شديدة البرودة، والتي لا يخرج منها سوى صوت صافرات الإنذار من الأجهزة الكثيرة الملتصقة بجسدي.
لن أنسى… عندما كنت بحاجة للممرضة وكانت تتجاهل ندائي النابع من حنجرة متهالكة لتتشاغل بأوراق بين يديها جعلتها تنسى أساس مهنتها!! فتقول زميلتها اذهبي لها فترد قائلة “لا خليها هي دائمًا كذا “.
كما أني أعجز عن نسيان تلك الأخرى، التي قامت بضرب ” السكشن” على وجهي ممتعضة من تكرار النداء لها في أقسى حالاتي ضعفاً وحاجة.
وتلك التي امتنعت من أن تسقيني الماء، جهلًا منها بأني أصبحت أستطيع شرب القليل منه، فكاد الظمأ يقتل روحي ويطفئ عروق قلبي حينها، ولأن صوتي غير موجود إلا بهمس طفيف بحكم أنابيب التنفس، تحدثت حينها مع نفسي عن القهر والعجز!!!!
إلى أن أتى اليوم التالي أحد الاستشاريين شاكية له العطش فأسقاني بلا تردد وبكل إنسانية، شربت بنهم كأني لا أعرف الماء إلا ذلك اليوم.
مواقف كثيرة جميلة إنسانية وأخرى سيئة، لا يسعني سردها، لكن الله لا ينسى، وأنا لن أنسى كل من ترك أثراً طيباً أو سيءً في تلك المرحلة المظلمة.
بعد أربع سنوات وسبعة أشهر، أحدثكم أنا الناجية من ذلك الإعصار، وأنا هنا لازلت فاقدة للحركة والتنقل الطبيعي
لا أستطيع المشي ولا الوقوف ولا حتى أستطيع أن ألمس أعلى رأسي بسهولة، لكني أستطيع الكتابة لمساً للهاتف، وهذه أحد أكبر النعم وأجل العطايا من صاحب العطايا والفضل.
نعم فقدت الحركة… لكني لم أفقد يومًا إيماني بالله، كما لم أفقد حبي للحياة، وأن القادم لن يكون أبدا كالماضي، وأن المستقبل سيعطيني معنى آخر للجمال والحياة ولن يكون ما حدث إلا نقطة انطلاق أخرى لي في هذا الكون.
الجميع يتساءل كيف استعطت الخروج من ذلك الخسوف وصرت وأبهى وأقوى؟
ربما، لأنني دومًا أواجه مشاكلي بالنكات والسخرية والتجاهل، وعندما يقفل باب غرفتي لا يوجد إلا ذاتي بمعية الله، وهنا تكمن أسرار قوتي، وعجائب سلطة هذه الروح التي تأبى الانكسار.
لم أكتب جلبًا للتعاطف، بل أنا سعيدة جداً وأملك من الرضا والتسليم مالا يملكه الأصحاء ولدي الكثير من الطاقات التي تستحق الحمد وتستوجب الشكر.
أعلم يقيناً أن لابد أن يعيش الإنسان كل أقدار الله باطمئنان وهدوء، وعدم القفز لأي مرحلة تسابق خطواته المفروضة، بل يجب أن نتعايش مع كل مرحلة ونقرأ الرسائل الربانية التي خبئها الله في كل تلك الاختيارات وخلف تلك الأحداث.
نسبة التعافي والشفاء ممكنة وحاصلة، وليس ثقة بما قاله الأطباء وما صورته الأشعة، إنما ثقة بأن الذي أوجدني لن يتركني وأن رحمته قد وسعت كل شيء، كما أن هناك إيمان يسكنني حول قدرته المطلقة وعجزنا المطلق وعلمه البالغ وجهلنا المبالغ، ولكن لكل شي حينه ولكل أجل كتاب.
نعم ربما أكون قد عجزت، ولكن الى أجل وربما ضعفت، ولكن إلى حين، ولكن لكل منا أدواته وأدواتي في هذه الحرب قوة خارقة من أقارب أولهم أم وأب، وصداقات تمثل جزء من العزيمة، قوة ناعمة تأتي من الداخل، وأحسب أن الشكر ينبغي أن يكون نهراً لا يتوقف وبحراً لا يجف لهم ولكل من كان سنداً وعوناً وقوةً ونصيراً، وربما تعجزني أحرفي إلا أن دعوتي لا تقف وعرفاني لا ينتهي.
انسانه رائعه جدا جدا قوية صبورة فاهمة المعنى الحقيقي للحياة
شافاك الله وعافاك رقيه ..وبإذن الله يبدل الله الحال إلى أحسن حال . عجبت وسررت بعزيمتك وإرادتك وقوتك وتعلقك بالله فالله سبحانه وتعالى قادر ولايعجزه شي في الارض ولا في السماء ويحي العظام وهي رميم
القادم أجمل وأفضل وأحسن بإرادة الحي القيوم ….
على قيد اللحظة …..
كلماتك رائعة كروعة روحك الطاهرة وقوة إيمانك بالله وثباتك وصبرك يحيي فيك ويحرك مالم يستطع ان يصل اليه الاصحاء
لسانك يلهث بالحمد والثناء ومقالاتك بلغتها البليغة وقواعدها المرتبة واحاسيسها المرهفة تجعل منك قوة عظيمة و طامحة في فرج الله القريب
أنتِ الاقوى …كيف لا ؟؟؟
وأنت…. من عرف الله وعدد افضاله فحمده في السراء والضراء
فهنيئاً لك هذا الثبات وهذه القوة وزادك الله
من فضلة …..في كل ……لحظة.
اسأل الله فاطر السموات والارض ان يرد لك عافيتك وان يجعل مااصابك كفارة لك ورفعة لمنزلتك في الجنه وان يدخلك الجنه بصبرك واحتسابك بلاحساب اوسابق عذاب
ما أجمل الثقة بـ خالقاً أوجد كل شيئ لحكمة ، واليقين بماعند الله هو باب للتخطي والفرج .. لكل مواجع الدنيا ابواب مغلقهـ لها يوماً موعود والحمد والرضا مفتاح تلك الابواب .. ربِ أذهب عنها الباس والبسها ثوب العافية والصحة ..
يارب عافيه لجسدك الطاهر
يأتي مقالك هذا وانا اعيش ضياع لا اعلم مداه .. تتكالب علي امور كنت أظنها لا تُطاق .. لكن يالتفاهتها مقارنة بما قرأت .. في ذلك اليوم الذي اخبرتينا سمعنا بالحادث .. وبكيت على ما حدث كثيراً كما اننا صلينا ودعينا لك كثيراً .. ربما لم يجمعنا حديث او لقاء .. لكن كنت اعرفك بطريقة ما .. عندما كتبتي عن خلوتك بذاتك .. تذكرت تلك القوة التي كنت اراها كلما نظرت اليك .. تذكرت ذاك الادب وذاك النضج .. أدعو الله دائما وارجوه أن يرد لك عافيتك كامله .. وأن يرضيك الرضا التام .. فهو القادر على ذلك .. كل حرف هنا من احرفك يحمل رساله عميقة .. أستمري يا رقية .. فكلنا عطشى لما تخطه يداك ..
كم كنتِ ملهمة في كلماتك
كم أيقظتي بداخلي من مشاعر عميقة مدفونة
كنت ولازلت أعلل نفسي في الشدائد بقوله تعالى :
(لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرً)
وبإذن الله ستأتي القادم الأجمل 🩵
أعمق الشكر وبإنتظار مقالاتك القادمة
لا بأس عليك؛ هذا الوجع تكفير، هذا الدّمع تطهير، ذلك الألم خيرٌ لا يعلمه إلّا العليم الخبير ، إنَّ الإيمَانَ مُستقرٌّ فِي أعماقِ كلّ قلب، ولكنّه يحتَاج إلىٰ هزّة شَديدة تُبديه و تُظهِره، لذَلكَ كانتِ المَصائب والأَزَمات سَببًا لظُهور الإيمَان.
اسأل الله ان يشفيك ويعافيك وان يجعل ما أصابك خيراً لك في الدنيا والأخرة
كلماتك مثلك قوية و جميلة و دائماً مصدر للالهام
و تذكري ” لايكلف الله نفساً إلا وسعها”♥️
انتي قويه وتستطيعين كلامك جميل اسال الله لكي الشفاء يابطله💞
كم انت رائعه اختي كلماتك ايمانك بربك وان كل شي من الله وفيه خير لك
اسأل الله الذي لايعجزه شي ان يشفيك ويرفع عنك ما أصابك واعلمي ان الله لا يبتلي من عباده الا الصالحين
دمتي بخير والى خير
كتبت بمداد القلب وصدق التعبير أشهد انك نموذج للهمة العلية والإيمان الصادق في زمن قل فيه التعلق بالله بمعناه الحقيقي وما خاب من علق أمله بالله ووجد الأنس بقربه ومناجاته وأكاد اجزم أختي الفاضله انك وصلت الى درجة عليا في اليقين ربما لم يصل اليها كثير من العباد المخبتين
أسال الله لكي العافيه والصحه ودوام الابتسامة الجميله،لم أشك في يوماً أنك لن تتخطين ما أُصبتي به ولكنك رقيه الاولى وكما عهدتك ، تقفزين دايماً راجيةً المراكز العلياء، واثقة الخطى، متوكله على رب العالمين،نعم أنتي الهمه والقدوه وأنتي من ، كسرتي حاجز الخوف والتردد بقلبي ، دعواتي تحفك دائماً،