الحلقة الأولى
دخلت المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط برمّتها إلى مرحلة جديدة وحسّاسة من تاريخها، وذلك منذ صباح يوم السبت السابع من أكتوبر الماضي (7/ 10 / 2023م).
من الصعب جدًّا التكهن والتنبؤ بمآلات هذه الحرب الضروس بين الجانبين، خاصّة الحرب القذرة التي تشنّها قوات الاحتلال، والتي هي حرب إبادة وتدمير للبنى التحتية للشعب الفلسطيني؛ المحتل أرضه والمغلوب على أمره.
فهذه الحرب منذ أيامها الأولى وإلى يومنا هذا يوم الخميس (2 /11/ 2023م ) ألقى فيها جيش الاحتلال البغيض المجرم عشرات من الأطنان (وأكثر) من الأسلحة المحرّمة دوليًا على رؤوس النّاس العزّل في غزّة العزة والكرامة، فقد أخرجت إسرائيل ما في جعبتها وترسانتها من صواريخ حارقة خارقة وقنابل من نوع (هالبر) والأسلحة العنقودية والفسفور الأبيض واليورانيوم المنضّب، وقد قدر العسكريون والمعنيون بالأمر في الأسبوع الأول(فقط) من هذه المعركة مقدار هذه الأسلحة الموجّه والمستعملة ضدّ غزّة؛ برًّا وبحرًا وجوًّا، بأكبر من القنبلة التي ألقتها حليفة إسرائيل الخبيثة والمتغطرسة (أمريكا) اللعينة على هيروشيما اليابانية.
من الإنصاف ومن قول الحق وللتاريخ يقال: إن حركة حماس (على الرغم من تحفظنا على بعض تصرفاتها وبالأخص علاقاتها الإقليمية)؛ فإنها وإن بدأت بهجومها المباغت على الشريط الحدودي لغزّة، الهجوم الذي حيّر عقول رجال المخابرات في (الموساد والشاباك) الإسرائلي و( C I A ) الأمريكي في دقتها وتوقيتها وسريتها للغاية، فإنها كانت ردّا لهجوم إسرائيلي متوقع شامل على غزّة، وقد تحضر له العدو منذ زمن، ولم يبقَ إلَّا التوقيت الفعلي له !
كما أن دولة الاحتلال لم تكن تحتاج يومًا من الأيام إلى أية ذريعة من الذرائع لقتل وتهجير ونفي وأسر الفلسطينيين بل وإبادتهم الجماعية، وتاريخهم المشؤوم مليء بتلك الجرائم والغدر والخيانات، ثمّ إن هدف إسرائيل الأساس ـ كما هو معلوم لكلّ مفكّر وسياسي وعسكري ومن يتابع تاريخ بني صهيون ـ هو سياسة الأرض المحروقة، وإخراج جميع الفلسطينيين من أرضهم وموطنهم، لا بل إن استطاعوا ونجحوا في فعل ذلك، فرؤيتهم هي: إقامة دولتهم من النيل إلى الفرات، وتفريغ هذه البلاد كلّها من مواطنيها إمّا: بالتهجير أو التقتيل والإبادة، لأنها أرض الميعاد التي (كتبها الرب) لهم دون غيرهم كما يزعمون ويحلمون بذلك.
كما لم تكن هناك حركة اسمها (حماس) حين ارتكب العدو الصهيوني عشرات المجازر بحق الفلسطينيين منذ سنة (1948م) ومنها مجازر: صبرا وشاتيلا، ودير ياسين وغيرها، نعم لم تكن حماس ولم تولد أو تخلق بعد !
إن معركة فلسطين (والصحيح: معركة الأمّة) مع إسرائيل مختلفة اليوم اختلافًا كبيرًا عمّا كانت بالأمس من الحروب السابقة، حيث كان الفلسطيني لا يملك إلا سيفًا أو خنجرًا أو بندقية قديمة للدفاع عن نفسه، لكنّه اليوم ـ بفضل الله ـ يمتلك إمكانيات هائلة يمكن ـ بعد الله ـ أن يغيّر المعادلة على الأرض.
كما أن القضيّة الفلسطينية أصبحت اليوم واحدة من أهم القضايا العالمية التي لها اهتمام واسع بين الشعوب وفي المحافل الدولية، وأضف إلى القصيدة بيتًا أن هناك (اليوم) دولًا كبرى في العالم تساندها وتعلن عن ذلك علنًا دون تستّر، فها هو الصين ـ التي تعدّ اليوم من أكبر دول العالم ـ على سبيل المثال ـ تقوم بإزالة خريطة إسرائيل وتضع في مكانها دولة فلسطين !
كما أن كوريا الشمالية ـ بما تملك من قدرات وإمكانيات ـ تؤيّد القضية الفلسطينية، ورئيسها يقوم بتهديد إحدى الجهات الإعلامية ـ حين تحذف اسم فلسطين من الخارطة بالتهديد والوعيد، فتعيد تلك الجهة اسم فلسطين إلى مكانها في الخارطة.
ويمكن أن نأخذ بالاعتبار أيضًا أن من صنعوا إسرائيل بالأمس ليسوا بنفس النَّفَسْ والقوّة التي تستطيع أن تبقى حامية ومؤيّدة لها، لوجود معارضة سياسية وشعبية داخل هذه البلاد، تعارض السياسات المؤيّدة لدولة الإحتلال، وخوفًا على مصالحها بين الشعوب والأمة الإسلامية وفي مقدمتها الدول والشعب العربي.
وهكذا لو نأتي إلى مقارنة عدد أخرى من القضايا بين الأمس واليوم لنجد أن الجو اليوم أكثر ملائمة ومواتية لجميع المجاهدين الفلسطينيين لإيقاف العدو الصهيوني ـ في أقل تقدير ـ عند حدوده ومنع غطرسته واستهتاره بحق هذا الشعب الأعزل، والهجوم المباغت التي شنّته المقاومة الفلسطينية في يوم (7 أكتوبر) لخير دليل على ذلك.
دور الإعلام !
من المعلوم أن أكبر وأكثر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي منذ حوالي قرن من الزمن كانت بأيدي الصهاينة وكانوا هم المسيطرين عليها والموجهين لها، في كلِّ صغيرة وكبيرة، وقد ضللّوا كثيرًا من الحقائق وشوّهوا كثيرًا من الصور، وسبّبوا كثيرًا من الكوارث والويلات والإحباط بسبب ذلك.
وها نحن اليوم ـ والحمد لله ـ نملك إمكانيات هائلة من الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع ووسائل التواصل الاجتماعي، فلكن ـ كما يفعل الأعداء ـ نستخدمها لصالحنا ومصالحنا والقضايا الكبرى لأمتنا الإسلامية !
فالإعلام أكبر وسيلة من الوسائل ـ بجميع طرقه وأساليبه ـ لفضح العدو، ولإيصال حق شعبنا إلى جميع الشعوب والأقوام بجميع اللغات، وقيام الملاييين من الإعلاميين والمفكرين والمثقفين وحتى الممثلين وغيرهم للقيام بهذا الدور، للضغط على العالم التي لا تفهم إلا هذا النوع من اللغة !!!
وهذه تعدّ معركة من المعارك الكبرى الناعمة، وجبهة من جبهات الحرب الهادئة والهدّافة، والتي لا تكلّفنا شيئًا كبيرًا.
والقضيّة هنا لا بدّ أن نعلم بأنها قضية الإسلام والمسلمين قبل أن تكون قضيّة الفلسطينيين أو الغزّاويين أو فصيلة من الفاصل.
كما يجب أن نعيد الأمور إلى نصابها وللأذهان أن القضية الفلسطينية، ليست قضيّة حماس أو أهل غزّة أو قضيّة الفلسطينيين أو قضيّة العرب، بل قضيّة أمة اسمها أمّة الإسلام، وهي اليوم تعدادها حوالي ثلث أهل الأرض.