كان أول ما أمر به الله رسوله الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- يتلخص في هذه الآية الكريمة (اقْرَأُ بِاسْمِ رَبِّكَ) (العلق: 1). فقد اهتم البشر منذ قديم الزمن بالتعلم كوسيلة للتطور على المستوى الشخصي والاجتماعي، بل أصبح الاهتمام بالتعلم يتزايد مع مرور السنوات حتى أصبح حاجة أساسية في حياة الأفراد ومحض اهتمام الشعوب والمجتمعات؛ فقد ذكر في (صحيفة عكاظ) أن نسبة الأمية في المملكة العربية السعودية انخفضت من نسبة 5.6 % عام 2019 إلى نسبة 3.7 % لعام 2021م؛ وذلك وفقًا لبيان نشرته وزارة التعليم؛ وذلك يأتي نتيجة للجهود المبذولة من الوزارة والمسئولين في تعليم جميع أفراد المجتمع وتطويره وخفض نسبة الأمية إلى أدنى درجة ممكنة؛ لذا يتضح لنا أن التعلم هو الأساس في تطور الشعوب والمجتمعات وقبل ذلك هو الأساس في تطور الفرد نفسه. لذلك لا يمكننا أن نتجاهل أهمية التعلم كما قال (جيم ستوفال) بكتاب (فن التعلم): إن التعلم مثل النوم والأكل والتنفس لا يمكن أن يتوقف أبدًا. موضحًا أن عملية التعلم شيء أساسي، بل يُعد بمثابة الحاجات الفسيولوجية التي يعيش بها الإنسان.
ما هو التعلم؟
قد يتساءل البعض عمَّا هو التعلم أو كيف تمارس عملية التعلم، في واقع الأمر أن ليس هناك تعريفًا أجمع عليه المختصون سواء من التربويين أو الباحثين بما يخص التعلم فقد تعددت التعاريف والأقوال من كاتب إلى باحث إلى آخر، ولكن أوضح تعاريف التعلم هي: “عملية تؤدي إلى التغيير في معارف الشخص- أي اكتساب معارف جديدة في أي مجال من مجالات الحياة- أو توسيع نطاقها”؛ وذلك وفقًا لما ذكره (د. رأي إتش. هال)، في كتابه (فن التعلم)، وعندما نتحدث عن التعلم فالأمر لا يتعلق بمجال محدد، بل هو أوسع وأشمل فقد تتعلم مهارة جديد كمهارة العمل ضمن فريق أو مهارة التواصل بفعالية أو تعلم أسلوب حديث في زراعة الأشجار، ونحو ذلك. لذلك كانت عملية التعلم عملية أساسية في حياة الفرد، وقد تحدث عادةً دون أن يشعر بها الفرد فقد تتعلم من موقف مررت به في صباح هذا اليوم أو من امرأة مسنة صادفتها في محطة قطار مما يبدو عليها أن الحياة قد علمتها الكثير وقد أعطتها دروسًا منها الصعب ومنها السهل، فحكت لك عن تجربة عاشتها في حياتها مما جعلتك تكتسب معرفة حول ذلك. الحياة واسعة وتمنحك في كل دقيقة منها درسًا جديدًا لتتعلمه؛ لذلك فقد شبهه البعض عملية التعلم بالحاجات الفسيولوجية الأساسية في حياة المرء، والتي ترتكز في قاع هرم ماسلو.
وسائل التعلم:
إن وسائل التعلم لا حصر لها، فنحن نتعلم دائمًا وبشكل مستمر بطرق مختلفة خاصة مع التطور التقني الذي نعيشه الآن، ولكن الوسائل التعليمية والمتعارف عليها بين البشر هي القراءة والاستماع إلى المعلم، ومن خلال ذلك يتعلم الفرد. فعندما نذهب إلى المدرسة أو الجامعة أو المعهد العلمي، نحن نقرأ المقررات العلمية وذلك حتى نتعلم ونفقه، ومع التطور التقني الذي نعيشه في وقتنا الحاضر أصبحت عملية التعلم أكثر توسعًا وشمولًا فلا يقتصر الأمر على عملية التعلم التي ينالها الفرد داخل المدرسة أو الكلية، بل أصبحت هناك مكاتب إلكترونية عبر الإنترنت تتيح الملايين من الكتب المختلفة والتي يستطيع من خلالها أن يقرأ الفرد لاكتساب المعرفة اللازمة، وهناك المنصات التعليمية المعتمدة والتي تتيح فرصة التعلم في أي مجال تحت أيدي خبراء ومختصين من شتى أنحاء العالم. لذا يمكننا القول إن وسائل التعلم ما هي سوى وسيلتين أساسية: الوسيلة التقليدية، والوسيلة الإلكترونية، وهذا هو المتعارف به. ولكن في الأمر الواقع يستطيع الإنسان أن يكون لديه حصيلة معرفية بأي جانب من جوانب الحياة بطرق واسعة وخيارات متعددة، فقد تكتسب المعرفة عن طريق الحديث مع أحد الخبراء في المجال الذي أنت مهتم به. تقول لي إحدى الصديقات إنها لم تتعلم كيفية انتقاء القهوة الجيدة المناسبة لإعداد كوب قهوة ذا تركيز مناسب وحموضة معتدلة وجودة عالية إلا من خلال أختها التي تعمل كصانعة قهوة في أحد محالّ إعداد القهوة المختصة. لذا فإن عملية التعلم تحصل وبشكل دائم سواء كنا نسعى لها نحن عن طريق قراءتنا المقررات التعليمية في المدرسة أو الجامعة أو حتى الكتب الثقافية في المكاتب التقليدية أو الإلكترونية، أو عن طريق محادثة أحد الأصدقاء المختصين في مجال اهتمامك أو مشاركة الخبرات مع الآخرين أو غير ذلك.
طرق التعلم الفعالة:
إن عملية التعلم عملية مستمرة لا تتوقف وحتمية في حياة كل منا، بل إن المراحل العمرية للإنسان أصبحت مرتبطة وبشكل أساسي بمراحله الدراسية، وحتى تثمر عملية التعلم لا بد من تطبيق ما تم اكتسابه من معارف على أرض الواقع؛ فذلك يعزز الاحتفاظ بالمعلومات في العقل البشري لأطول فترة ممكنة وأيضًا تشارك المعرفة مع الآخرين يؤدي إلى تطوير وتنمية الأفراد ومن ثم المجتمع، وهناك الطرق المتعددة والمختلفة لاستثمار المعلومة التي تم اكتسابها من خلال عملية التعلم. ذكرت لي إحدى معارفي أنها كانت تدرس اللغة الإنجليزية في كلية اللغات والترجمة بإحدى الجامعات وبعد تخرجها أرادت أن تستثمر ما تم تعلمه على أرض الواقع حتى تثمر المعارف التي اكتسبتها خلال مرحلة دراستها، فقررت أن تبدأ في تدريس اللغة الإنجليزية لطلاب المراحل الدراسية المبكرة وذلك عبر أحد المعاهد التدريبية التي تقدم دورات تدريبية إلكترونية. مما أتاح لها ذلك اكتساب الخبرة، وتطورت مهاراتها وقدراتها أكثر بسبب ممارستها ما تعلمته على أرض الواقع. وقد أصبحت الآن معلمة في إحدى المدارس تتمتع بخبرة كافية ومهارات عالية في تدريس الطلبة. لذلك فإن أفضل الطرق لنجاح عملية التعلم وجعلها عملية مثمرة، هي تطبيقها على أرض الواقع وممارسة ما تم تعلمه؛ ليستفيد بذلك مجتمعك ونفسك.
ولنا في العلم شواهد عديدة من خلالها ندرك أن لا غنى لنا عن التعلم، فمن خلال التعلم استطاعت الشعوب أن تتطور وتنتقل من عصر لآخر فالتقنيات التي نعيشها اليوم في الكهرباء، والماء، والإنترنت، والرفاهية التي وصلنا إليها في التنقل بين المواقع الجغرافية المختلفة ذات المسافات البعيدة؛ إنما هي جاءت عن طريق العلم والتجارب والبحوث. لذلك عن طريق التعلم والتطبيق نستطيع أن ننهض بمجتمعاتنا وأنفسنا ومن حولنا.
أخيرًا.. إن عملية التعلم عملية أشبه بالحاجات الفسيولوجية الأساسية التي بها يبقى الإنسان على قيد الحياة فمن دون عملية التعلم لا نستطيع أن نصل لمستوى الرفاهية التي نعيشها اليوم في عصرنا هذا. لذا فمن خلال الوسائل التعليمية كالحضور إلى المعاهد أو الجامعات والمدارس وقراءة الكتب بالمكاتب نكتسب بذلك المعارف حتى نصبح فيما بعد مختصين في مجال ما، كما أن الشبكة العنكبوتية أتاحت لنا التعلم الإلكتروني من خلال المنصات التعليمية المعتمدة والكتب الإلكترونية بالشكل المقروء أو المسموع كوسيلة إضافية للتعلم؛ ولكي تثمر عملية تعلمنا علينا أن نسعى في تطبيق ما تعلمناه على أرض الواقع وذلك حتى نفيد به مجتمعنا وأنفسنا؛ لذا لا تتوقف عن عملية التعلم أبدًا، كُن دائمًا على اتصال بالعلم فإنك عندما تتعلم تشغل ذهنك وتحرك طموحاتك وتنفع نفسك فينعكس ذلك على كل من هم حولك، لذلك تعلم.