سؤال مُجرد
بدأت الهدنة في غزة، فهل تلتقط غزة أنفاسها أم تلفظ أنفاسها؟!
مع سريان الهدنة بين الكيان الصهيوني وحركة حماس وبدء صفقة تبادل الأسرى، وخروج إسماعيل هنية والمتحدث باسم الحركة وعدد كبير من المغردين الذين يعلنون انتصار غزة، حتى تصدر هاشتاق #غزة_تنتصر قائمة الترند، فهل حقًا انتصرت غزة؟!
بعد أكثر من 50 يومًا من همجية جيش الكيان الصهيوني وحربه العبثية على الأبرياء والمدنيين والإبادة الجماعية في قطاع غزة، احتل خلالها 40 في المئة من القطاع، وتجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 14500 قتيل بينهم 6000 طفل، ودمار شامل للبنية التحتية في غزة، وتعطيل شبه كامل للمستشفيات المحاصرة، والمدارس وكل مظاهر الحياة ومقوماتها، فهل حقًا انتصرت غزة؟!
وبعد الهدنة المؤقتة لتبادل الأسرى، في قائمة حمساوية لم تتجاوز 150 أسيرًا، رفعها الكيان المحتل إلى 300 فلسطيني بينهم أو كلهم نساء وأطفال، تخيلوا 300 أسير هم تابعون لأعضاء حركة حماس بالتأكيد، كان ثمن التفاوض لأجلهم الدفع لثمن باهظ لأرواح 14500 فلسطيني بينهم نساء وأطفال لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب العبثية، هل ترونه ثمنًا عادلًا؟!
هل قيمة روح الفلسطيني الحمساوي تساوي فعلًا حياة 48 فلسطينيًا من المواطنيين العاديبن من غير الحمساويين؟! فهل حقًا انتصرت غزة؟!
بكل المقاييس الإنسانية والإحصائية والمنطقية لا والله لم تنتصر غزة، بل مُنيت بهزيمة مدوية ليست سوى استمرار لسلسلة الهزائم المتراكمة منذ 1948م، التي يدفع الأبرياء حياتهم ثمنًا لها لصالح قادة الفصائل وأسرهم وتضخم حساباتهم البنكية لا أكثر، وما كل محاولات تصدير الانتصارات الوهمية إلا محاولات بائسة من الخلايا الإلكترونية لجماعة الإخوان المتأسلمين الإرهابية وأذرعها الحمساويين الإلكترونيين، وخلايا ما يسمى محور المقاومة المدعوم من إيران.
التضحية بشعب كامل ليس انتصارًا، ممارسة الطيش العسكري في ظل عدم تكافؤ القوى ليس انتصارًا، ومنح الكيان الصهيوني الهمجي الذريعة لتدمير غزة وقتل أهلها وتهجيرهم في تغريبة جديدة أشد ضراوةً من الأولى ليس انتصارًا.
والدليل على أنه ليس انتصارًا، وأن حماس تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهو ما سيظهر بعد الهدنة المؤقتة واستئناف الحرب بضراوة لن تكون مسبوقة في تاريخ الصراع بعد أن يتسلم الكيان الصهيوني أسراه، والذي ربما يكون ثمنه غزة بأكملها (لا قدر الله)، وهو أيضًا ما يستشف بوضوح من حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في البث المصور خلال اجتماع مجموعة العشرين الأخير، عندما قال: “مستعدون لتولي المسؤولية مع دول أخرى بالهيكل الأمني الجديد الذي سيتم إنشاؤه في غزة”، وهو إعلان صريح لانتهاء دور جماعة حماس في غزة سياسيًا وعسكريًا؛ خاصة أنه وكما يعلم الجميع أن أردوغان هو رئيس التنظيم الدولي للإخوان المسلمين والداعم الأكبر لهم، وما حديثه هذا إلا اعتراف ضمني بهزيمة حماس في معركة “طوفان الأقصى”، والانتصار الوحيد هو انتصار إعلامي وهمي في وسائل التواصل الاجتماعي، وخروج حماس من المشهد ليس إلا مسألة وقت لا أكثر.
رحم الله المدنيين الأبرياء الذين ضحت بهم حماس وسلمتهم لآلة القتل الصهيونية الهمجية البربرية اللاأخلاقية.
وربما يكون هناك انتصار آخر لغزة سنراه في المستقبل القريب، لكنه انتصار لأرواح الفلسطينيين المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال الذين ضحت بهم حماس وقتلهم الصهاينة، عندما يحين وقت الانتخابات الرئاسية في أمريكا ودول أوروبا التي بدأت شعوبها تتخلى عن تأييد مواقف الحكومات الحالية الداعمة لهمجية إسرائيل في هذه الحرب، بعد أن رأت هذه الشعوب الإبادة الجماعية والتهجير القسري الذي يرتكب بحق شعب غزة، وبدأت تغير مواقفها، وتعبر عنها في البرلمانات الغربية وفي شوارع العواصم الغربية، وقتها لن تذهب للحكومات هذه الأصوات وستخسرها بالتأكيد في سباق الرئاسة أو رئاسة الحكومات، ولن نستغرب عندما تصوت الولايات الديموقراطية للجمهوريين في الانتخابات القادمة على سبيل المثال، وربما يكون هذا انتصارًا رمزيًا مؤجلًا لغزة (إن حدث)، ولكنه لن يُعيد أرواح القتلى الأبرياء إلى الحياة، فهل حقًا انتصرت غزة؟!