الراصد لحركة الفكر العربي منذ عهد الاستعمار حتى الآن، يلحظ الخصومات الفكرية وتصفية الحسابات الفكرية البائسة المكشوفة وعدم احترام التخصص، ولا سيما في أوقات الأزمات وإبداء الرأي فيما لا يُستشارون فيه ولا يعينهم، ولم يعد للحياء أثر في تلك الأقلام المتكلفة والأفكار الحمقاء، وكل يغرف من إنائه الآسن، ويحاول أن يسجل موقفًا يُحسب له أو يكافئ عليه، أو يضرب بالتنقيص والتسفيه لرأي خصومه أو معارضي مدرسته أو حزبه أو فئته أو طائفته أو مذهبه، فضلًا عمن يعمل للعمالة والجاسوسية والتلاعب بالرأي العام العربي وخلط الأوراق، ولم أجد أمثل كشَّافًا وأصدق مختبرًا من أحداث غزة؛ حيث تجلى للراصد المشاهد الفكري، والمراقب العربي التيهان والضياع الفكري، وتكلف الخصومات الصبيانية وافتعالها، ذلك المشهد المأساوي بعد الغبار المفتعل والمتردي عن سيوف مثلومة، ورماح مكسورة، وأحصنة حرونة، وأقلام هزيلة، والغالب الأعم منهم إن لم يكن الكل، ممن هم (عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) (يس: 56) كحال من يُشاهد حالات الإعدام، في فيلم بوليسي أو حرب للعصابات، ولا يشعر بحال المجني عليهم من الضحايا، بينما لم نسمع أصواتًا أو أقلامًا من داخل غزة يجأورون بالإنكار بالشكوى أو يتلاومون بالنجوى، ومن المفارقات العجيبة التزام الموقف الرسمي العربي بدعم غزة دون شروط أو ضوابط، أو توجيه النقد لقبيل دون آخر في داخل غزة.
وعلى النقيض من ذلك.. تلك الأقلام التي تُحاول فرض وصاية على غزة، دون أن يعلم سكان أهل غزة عن موقعهم من الإعراب، وفي ذات الوقت فقد خدموا الأجندة الإيرانية ومليشياتها من حيث لا يعلموا، وصرفوا الأنظار عن تخاذلها ونكوصها وخيانتها لغزة.
وحق على هؤلاء الكتَّاب العرب المتخاصمين الحمقى حول غزة قول الشاعر:
لكل داء دواء يُستطب به
إلا الحماقة أعيت من يداويها
أ.د غازي العارضي