تعود العلاقات السعودية – الروسية إلى الحقبة السوفيتية، حين اعترف الاتحاد السوفيتي في عام 1926 بتوحيد المملكة؛ لتكون أوَّل دولة غير عربية تعترف بذلك، ومنذ ذلك التاريخ ظلت العلاقات بين البلدين قائمة ومتباينة، ومع نهاية الأزمة السوفيتية لأفغانستان، كانت روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي وتحسنت علاقتها بالمملكة بشكل كبير خاصة في مجالات الطاقة، كونهما يتربعان على عرش الطاقة في النفط والغاز عالميًا، وقد كان لتناغم مواقف البلدين في مجال النفط (أوبك +) دور بارز في استقرار أسواق الطاقة عالميًا؛ خاصة في ظل ثبات مواقف المملكة الجوهرية سياسيًا في هذا المجال، واستمرار رفضها القاطع في استخدام النفط كسلاح في الصراعات الدولية دون النظر إلى أقطاب هذه الصراعات ومواقفهم السياسية، سواءً كان هذا الضغط لمصلحتي أمريكا والدول الأوروبية كما هو في حرب الخليج الأولى والثانية أو كان ضد مصالحهما كما هو الحال في الحرب الدائرة رحاها حاليًا بين روسيا وأوكرانيا، ورغبة أمريكا والدول الأوروبية برفع الإنتاج النفطي للضغط على روسيا، وتجفيف مواردها المالية، ورفض المملكة لكل ذلك.
والمملكة العربية السعودية بهذا الموقف ومثله من المواقف الناضجة، تُثبت للعالم بأسره أنها اللاعب الرئيسي الموثوق به عالميًا في استقرار أسواق الطاقة، ولتؤكد على عقيدتها الثابتة في عدم تبعيتها لأي سياسة دولية – أيًّا كان طرفها – تتعارض مع مصالحها الاستراتيجية القائمة على استقرار أسواق الطاقة، والحفاظ على مصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حدٍ سواء.
وفي ظل رسم المملكة لسياستها الخارجية القائمة على عدم المساس بمصالحها الاستراتيجية والوضوح والتوازن في التعاملات والعلاقات الدولية، ومد يد العون والمساعدة لكل من يحتاجها، جعلها تحتل مكانة خاصة في المجتمع الدولي تتسم بالثقة والمصداقية، وهذا ما سهَّل لها الدخول في الأزمات والصراعات الدولية بترحيب بالغ، وما الحرب الروسية الأوكرانية وترحيب أطرافها بدخول المملكة لمد يد العون والمساعدة وقيامها فعليًا بوساطات هادفة، وعقد مؤتمر دولي كبير حول الأزمة إلا خير مثال على هذه الثقة.
وكنتيجة لسياسة التوازن البناء في علاقة السعودية مع الدول الكبرى كأمريكا والصين وغيرها، فإنه لا غرابة في أن تشهد العلاقات السعودية الروسية تناميًا مستمرًا ونجاحًا كبيرًا بين البلدين، ويحضرنا في ذلك ما حظي به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وكذا ولي العهد – يحفظهما الله – عند زيارتهما لروسيا من حفاوة استقبال استثنائية، وتوقيع مجموعة من الاتفاقيات الاستثمارية في مجالات الطاقة والمجالات العسكرية والاقتصادية وغيرها .. كما أن زيارة الرئيس الروسي بوتين للمملكة بالأمس ليست إلا تأكيدًا على هذه العلاقات المتميزة، وشاهدًا على قوة الدبلوماسية السعودية ونجاحها المتواصل في رسم سياستها المتألقة في الحفاظ على مصالحها والجاذبة لمزيد من الاستثمارات الناجحة في الداخل والخارج، ليتم للسعودية العظمى المضي قُدمًا نحو تحقيق أهداف رؤيتها المستقبلية المشرقة ٢٠٣٠، وما بعدها بخطا ثابتة ومتزنة تضمن لها النجاح والاستمرارية في كافة مشاريعها ورؤاها المستقبلية الطموحة.
0