المقالات

“مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربية”… جهود كبيرة لتعزيز حضور “لغة الضاد” محليًّا وإقليميًّا وعالميًا

بلادنا الغالية “المملكة العربية السعودية”؛ تفخر وتعتز كثيرًا بما أولته ولا تزال تُوليه من اهتمام بالغ وعناية كبيرة بلغة القرآن الكريم والسنة النبوية المُطهرة؛ وذلك عبر تاريخها الطويل والمُمتد؛ ومنذ توحيدها على يد المؤسس الباني الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه –؛ حيثُ نصّ النظام الأساس للحكم السعودي، في مادته الأولى على الآتي: “المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولُغتها هي اللُّغة العربية، وعاصمتها الرياض”. وليتواصل هذا الاهتمام على مرِّ العصور، وصولًا إلى هذا العهد الزاهر الميمون، عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسيدي سمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله -، الذي شهد تأسيس “مجمع الملك سلمان العالمي للّغة العربية”، بقرار مجلس الوزراء الموقّر؛ رقم (34) وتاريخ 13 محرم 1442هـ الموافق الأوَّل من أغسطس 2020م، لتُشكِّل هذه الموافقة الكريمة بتأسيس هذا “المجمع”؛ إضافة مُهمّة للجهود السعودية المشهود لها في خدمة اللغة العربية على جميع الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، كما تُرسِّخ سعي بلادنا الغالية لنشر “لغة الضاد” وتعزيز حضورها وتمكينها في جميع أنحاء المعمورة، وتعزيز الهوية الوطنية، وهو ما يُمثِّل أحد أهم أهداف “المجمع” الاستراتيجية، والتي تُواكب وتتسق مع مُستهدفات رؤية السعودية الطموحة 2030، والتي ركّزت على ترسيخ مجموعة عناصر وجودية تُمثل اللُّغة العربية ركنها الرئيس ومُرتكزها الأساس، من بينها الانتماء للعقيدة والوطن، والانطلاق من الثوابت التاريخية ومكامن القوّة الحقيقية، إلى جانب حرص قيادتنا الرشيدة – أيدها الله – بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – رعاه الله –، وسمو سيدي ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله –، على أن تحتل اللغة العربية مكانة أكثر أهمية في قائمة اللُّغات الإنسانية، وأن يكون لها حضور عالمي واسع النطاق وفاعل في جميع المجالات، وذلك لكونها لغة القرآن الكريم والسنة النبوية المُطهرة، وبوصفها عنوانًا للهوية.. ورمزًا للانتماء.

أدوار محورية
لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية أهداف كثيرة ومُتعدِّدة، منها: (المحافظـة علـى سلامة اللُّغـة العربيـة، والعمـل علـى نشـرها ونشـر ثقافتهـا، وتيسير تعلّمها وتعليمها داخليًّا وخارجيًّا. وتوحيد المرجعية العلمية داخليًّا في اللُّغة العربية وعلومها، والعمل على تحقيق ذلك خارجيًّا. وإيجاد البيئة الملائمة لتطوير اللُّغة العربية وترسيخها. وإحياء تراث اللُّغة العربية دراسةً وتحقيقًا ونشرًا. والعناية بالدراسات والأبحاث والمراجع اللُّغوية ونشرها. وتشجيع العلماء والباحثين والمُختصين في اللُّغة العربية). ويُعوّلُ على هذا الصرح الشامخ كثيرًا؛ ليؤدي أدوارًا محورية في إعلاء مكانة اللُّغة العربية عالميًا وتكثيف مُساهمتها التقنية في تنميـة المجالين العلمي والثقافي، وزيادة مستوى الاستخدام والإتقان والمحتوى الأصلي بالعربية، لتعزيز الشعور بالانتماء والهوية الوطنية، ويُعتبر مرجعية عالمية في مجالات اللُّغة العربيــة وتطبيقاتهـا، ويتمتع “المجمع” بشخصية اعتبارية عامة، واستقلال مالي وإداري، ويرتبط تنظيميًا بصاحب السمو وزير الثقافة رئيس مجلس أمناء المجمع، وله مجلس علمي، يتكوّن من عشرين عضوًا، من المُختصين في العربية وعلومها، وقد انطلقت مسيرته هذا الصرح العلمي لمباركة، منذ أكثر من ثلاث سنوات قليلًا، ليسير وفقًا لهذه التوجهات، ولتحقيق تطلعات القيادة الرشيدة – أيدها الله –، لنشر لغة القرآن الكريم وتعزيز حضورها في المحافل المحلية والإقليمية والدولية على وجه الخصوص، وليُسهم في تكريس كل ما يتعلّق بالتبادل الثقافي والمعرفي.. والتواصل الدولي بصفة عامّة، وليؤدي مهامه، انطلاقًا من رؤيته: “مرجعية عالمية في مجالات اللُّغة العربيــة وتطبيقاتهـا”، ورسالته: “خدمة اللّغة العربية عالميًا، وتعزيز إسهامها الحضاري والعلمي والثقافي، وإمكاناتها بالوسائل المختلفة”، ورؤيته: “الريادة والمرجعية العالمية في خدمة اللّغة العربية”، وكذلك انطلاقًا من ركائزة الأساس، التي تتلخّص في “تعزيز الهوية الوطنية”؛ بزيادة مستوى الاستخدام والإتقان والمحتوى الأصلي باللّغة العربية؛ لتعزيز الشعور بالانتماء والهوية الوطنية. و”التبادل الثقافي”؛ بزيادة انتشار اللُّغة العربية من خلال تعزيز التبادل الثقافي؛ بهدف تضمين موقع المملكة العربية السعودية والثقافة العربية في العالم. وليُعدُّ “المجمع” أداة أساس من أدوات “القوّة الناعمة السعودية”، وذراعًا تنفيذيًا لها، ولتعمل استراتيجية هذا الصرح العلمي والثقافي المرموق، على تنفيذ أهدافه.. وبرنامجه.. وأنشطته.. واختصاصاته المتنوِّعة والمُتعدِّدة، التي تتوزّع على أربعة قطاعات رئيسة هي: “التخطيط والسياسة اللُّغوية”، و”الحوسبة اللُّغوية”، و”البرامج التعليمية”، و”البرامج الثقافية”، والتي تعمل مجتمعةً على تفعيل “قوّة اللّغة العربية الناعمة” وتمكينها لتحقيق هذه الغايات والأهداف، التي تتمثّل بزيادة انتشار المحتوى العربي، وذلك بوصف “لغتنا” مظهرًا حضاريًا مُهمًا وحيويًا من مظاهر التواصل الحضاري، ولكونها القوّة الأكثر تأثيرًا وإقناعًا.. والأمضى نفوذًا؛ من أي قوّة أخرى.

الخطط والاستراتيجيات
لنشر رقعة لغة الضاد، بما يُعزِّز نشر المعرفة والوعي باللُّغة العربية، ويُحقِّق أهداف رؤية السعودية 2030، ينشط “المجمع” في مسارات متنوِّعة ومُتعدِّدة وطنيًا وعربيًا ودوليًا، مع حرصه الكبير على بناء مناهج وأدوات وطرق تدريس “العربية” للناطقين بغيرها، وتصميم البرامج التعليمية والتدريبية الإثرائية لمهارات “لغة الضاد” وتنفيذها. ولتحقيق هذه الأهداف؛ وضع “المجمع” العديد من الخطط والاستراتيجيات، وعمل على مواكبة المصطلحات الجديدة والتوسّع في استخدام التقنية وتوظيف التطبيقات الحديثة، وتطوير تطبيقات ابتكارية باستخدام دعم لغة القرآن الكريم، بهدف إثراء المحتوى العربي في مجالات البيانات والذكاء الاصطناعي، ودعم وتطوير الأبحاث والتطبيقات والقدرات ذات العلاقة بمجالات الذكاء الاصطناعي واللُّغة العربية، مثل: القواميس والمعاجم، وتوفير الحلول المُبتكرة في هذا المجال. وتطوير القدرات بتنظيم مُسابقات وفعاليات لتنمية القدرات في تطوير حلول الذكاء الاصطناعي في مجال لغتنا العربية، مثل “الهاكاثون”، وبرامج المصادر المفتوحة، والعمل على تأسيس مركز ذكاء مُتخصِّص في “العربية” وتطويرها، والإسهام في أرشفة ورقمنة ونشر المخطوطات في المجالات ذات العلاقة بلغتنا الأم، وبناء مدونات اللُّغة العربية المُعاصرة، منها إجراء أبحاث المدونات اللُّغوية (Corpus)، وكذلك إعداد المعاجم العربية المُعاصرة، وتسريع وتيرة البحث التقني المتطوِّر في مختلف مجالات اللُّغة العربية، بإنشاء معمل مُعالجة اللُّغات (NLP). والعمل على التأسيس لحقبة جديدة ولدورٍ نوعي للُّغتنا العربية الخالدة، تُكرِّس من الاعتزاز بها لغة حوار وسلام عالمي، وتُسهم في تعزيز أدوارها ومكانتها إقليميًا وعالميًا، وتُكثِّف من حضورها في المجالات العلمية والثقافية.

مُنجزات مُبهرة
بتوفيق لله سبحانه وتعالى أولًا وأخيرًا، وبدعم القيادة الرشيدة – أعزها الله – وبعزم الرجال؛ حقِّق “مجمع الملك سلمان العالمي للّغة العربية”، مُنجزات مشهودة ومُبهرة على أرض الواقع، تفوق عمره الزمني بكثير، ولعلّ من أهمها إطلاق “جائزة الملك سلمان لخدّمة اللُّغة العربية”، بفروعها الأربعة، عن فئتي الأفراد والمؤسسات؛ وفي دورتيها الأولى لعامّ 2022م والثانية للعام 2023م. وكذلك تنظيم تظاهرة دولية خاصّة باللُّغة العربية، تمثّلت في: “مؤتمر اللُّغة العربية في المنظمات الدولية”، الذي أُقيم برعاية كريمة من مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – يحفظه الله –، في ديسمبر 2022م، وسط حضور نوعي من المنظمات الدولية الكبرى، وبُمشاركة مُتخصِّصين ومُهتمين باللُّغة العربية. وكذلك؛ تنظيم عدّة مبادرات وفعّاليات وأنشطة ثقافية وفنية في داخل المملكة، وأخرى أممية خارجها، للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في كل عام، والتي كان أبرزها الاحتفال في منظمة الأمم المتحدة بنيويورك بيوم اللُّغة العربية، في ديسمبر 2022م. كما تمّ تنظيم احتفال أممي آخر – أُقيم افتراضيًا وعن بُعد – في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في باريس، في العام نفسه. وعلى الصعيد الداخلي، نظّم “المجمع” عددًا من الفعاليات في مدينة الرياض، وفي مدن وأمانات بعض مناطق المملكة، بالإضافة إلى المُشاركة في مناسبة إطلاق المؤتمر الدولي الأوّل بعنوان: “اللُّغة العربية والتحوّل الرقمي”، الذي نظّمه وقف لغة القرآن بجامعة الملك عبد العزيز بجدّة في ديسمبر 2021م، وذلك ضمن فعاليات “ملتقى مكة الثقافي”، والذي أُقيم تحت شعار “كيف نكون قدوة في العالم الرقمي”. ومن هذه الإنجازات أيضًا؛ عقد عدد من الندوات وورش العمل المُتخصّصة في مجال اللُّغة العربية، هذا، إلى جانب المبادرة بإعداد وتطوير حقيبة داعمة للجهات الحكومية، بمسمى: “حقيبة اليوم العالمي للُّغة العربية”، لتشجيع هذه الجهات للاحتفال بهذه المناسبة الرمزية الكبيرة، كمّيًّا ونوعيًّا لأبرز قضايا اللُّغة العربية، موازنة باللُّغات العالمية الأخرى، لاعتماده لبناء تقرير دوري يعكس مستوى تمثيل اللُّغة العربية على أكثر من صعيد، ومنها تطوير “حقيبة رقمية” للاحتفاء باليوم العالمي للُّغة العربية لهذا العام ٢٠٢٣م. كما تتضمّن هذه الجهود، قيام “المجمع” بتفعيل الشراكات المجتمعية، وذلك بتوقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات تعاون مع عدد من الجهات، لتنسيق الجهود المُشتركة في نطاق المشروعات والفرص المحتملة، مع بحث سبل تعزيز أوجه التعاون مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، وغيرها من مُنجزات.

إضاءات خفيفة
هذه قراءة سريعة، وإضاءات خفيفة.. ولمحة من ملامح جهود “مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربية”، التي تهدف لتعزيز الحضور النوعي للمملكة في خدّمة اللُّغة العربية، ودعم آليات العمل فيها، وتتويج مُنجزاتها النوعية، وزيادة انتشار المحتوى العربي والفنون والإعلام والتبادل الثقافي في العالم؛ لتضمين موقع السعودية والثقافة العربية العالمي، والتي تتسق كذلك مع اهتمام المملكة بدعم اللّغة العربية وتطوير الجانب الثقافي ضمن رؤية السعودية 2030، وكذلك مع مستهدفات أحد مبادراتها، ألا وهو “برنامج تنمية القدرات البشرية”، الذي بدوره يُمثل إستراتيجية وطنية، تستهدف تعزيز تنافسية القدرات البشرية الوطنية محليًا وعالميًا. واستعراض لبعض مساعيه الحثيثة للتعريف بلغة القرآن الكريم الخالدة؛ في الأوساط الإقليمية والدولية، وسعيه الدؤوب لتمتين الصلات الثقافية والعلمية واللُّغوية، بين المؤسسات السعودية والمنظمات العالمية.
والله ولي التوفيق،،،

المُلحق الثقافي بسفارة خادم الحرمين الشريفين لدى تركيا ودول الإشراف

د.م فيصل بن عبدالرحمن أسره

أستاذ الهندسة البيئية والمياه المشارك، بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية بجامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى