مفهوم القوة الناعمة من المصطلحات الحديثة نسبيًا، فقد تمَّ إطلاقه أول مرة عام (1990م) من قبل عرَّاب القوة الناعمة وأستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفرد “جوزيف ناي”؛ وتختلف القوة الناعمة عن الأخرى الصلبة، فاعتماد الدول على القوة الناعمة يتمثَّل في الهيئات والمؤسسات غير الحكومية، مثل: الشركات متعددة الجنسيات ومنظمات المجتمع المدني، وفي المقابل فإن استخدام القوة الصلبة يتمُّ بالاعتماد على عناصر القوة المادية والعسكرية لدى الدول؛ للوصول إلى الأهداف المنشودة.
وحديثًا انتشر مفهوم القوة الناعمة في مجال التعليم، وأصبح منطلقًا مهمًا للمشاركة الدولية بين الدول؛ وخاصة التي تفتح أبوابها للطلاب من جميع دول العالم لتلقي العلم والمعرفة.
لقد فكرت القوى العُظمى من خلال مراكز أبحاثها ومفكريها في كيفية استعادة مكانتها أو مواجهة التحديات دون اللجوء إلى استخدام القوة الصلبة، وهو ما أفرز نمطًا جديدًا يُعرف بمصطلح “الدبلوماسية الثقافية”.
ويُعد التعليم العالي -خاصة- من أهم أساليب القوة الناعمة، وأداة استراتيجية تعتمد عليها الدول في تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية.
وتتمثَّل آليات قوة التعليم العالي الناعمة في المنح والبعثات الدراسية، وبرامج التبادل الأكاديمي، واستقطاب الطلاب الدوليين، وثمة تأكيد على أن وجود التعليم العالي في حد ذاته لا يعني كونه أحد موارد القوة الناعمة للدولة إلا إذا تم إدارته وتوظيفه بشكل جيد.
إن النظام التعليمي يُمثل جسر تواصل مع العديد من شعوب العالم، ويتم عادةً توظيف المنح التعليمية التي تُقدمها الدول في غرس ثقافتها لدى الأجيال الوافدة.
في المملكة هناك الكثير من طلاب المنح من مختلف دول العالم يأتون سنويًا لتلقي مختلف صنوف العلوم المعرفية؛ ولا شك أن كل طالب منهم سيكون سفيرًا لبلادنا الحبيبة بعد انتهاء دراسته وعودته إلى بلده الأم.
شخصيًا ومن خلال رحلاتي إلى خارج المملكة، التقيت بالكثير من هؤلاء الطلاب، وجدت فيهم حب وتقدير للمملكة يدافعون عنها ويدعون لها.
لا يزال في الذاكرة منذ أكثر من عقد من الزمن عندما حضرت توقيع اتفاق شراكة في مجال المنح الدراسية بين معهد اللغة العربية لغير الناطقين بها في “أم القرى” -إبان تشرفي بقيادة الجامعة- وجامعة “السلطان أحمد الوقفية” بإسطنبول، وكيف كان الحضور يجهش فرحًا بالبكاء والدعاء للمملكة وقيادتها التي أتاحت لهم الفرصة لتلقي علوم اللغة العربية على الأرض التي نزل عليها الكتاب الكريم باللغة العربية.
وفي لندن قبل مدة كان الدكتور “محمد فايد سعيد” السكرتير العام لهيئة الفتوى في المركز الثقافي الإسلامي، وإمام وخطيب المسجد المركز بلندن، وهو أحد خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وجدت فيه حب المملكة وقيادتها ودائم الفخر بأنه أحد خريجي التعليم العالي السعودي.
وفي المسجد الكبير في “جبل طارق” التقيت بالكثير من الذين تلقوا العلم في جامعات المملكة؛ وجدت فيهم الحب والتقدير للمملكة وقيادتها وشعبها لدرجة إصرارهم لإمامة المسلمين في المسجد لصلاة العصر في ذلك اليوم، لأني أحد أبناء المملكة، حفظ الله بلادنا وقيادتها وشعبها من كل سوء ومكروه.
0