كتاب بعنوان “القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسات الدولية”، لمؤلفه الأستاذ في جامعة (هارفرد) الدكتور “جوزيف ناي”؛ الكتاب إسهام مهم في فهم السياسة العالمية الأكثر حكمة؛ حيث يُشير المؤلف إلى أن استخدام القوة الناعمة أصبحت وسيلة للنجاح في استمالة الشعوب وتحقيق الأهداف، بدلًا من الاستخدام السابق للقوة الصلبة المتمثلة في الحروب ودفع الرشاوي والحصار الاقتصادي.
يقول المؤلف: إن القوة الناعمة سلاح مؤثر يُحقق الأهداف عن طريق الجاذبية بدلًا من الإرغام أو الرشاوي، فرسالة من ابن الرئيس الباكستاني الأسبق “برويز مشرف” -والكلام لا يزال للمؤلف- إلى والده من مدينة “بوسطن” بولاية ماساتشوستس الأمريكية، كانت أحد أسباب تغيير سياسة والده وتأييده أمريكا في حربها ضد أفغانستان التي اندلعت عام 2001م، ومثله الطلاب الآخرون.
واستشهد المؤلف بكلام “كولن بأول” وزير خارجية أمريكا الأسبق الذي يقول: “لا استطيع أن أفكر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل الذين تلقوا تعليمهم هنا في أمريكا؛ لأن الطلبة الدوليين يعودون إلى أوطانهم في العادة بتقدير أكبر للقيم والمؤسسات الأمريكية”، انتهى الاستشهاد.
وجاء في تقرير للمجموعة الدولية للتعليم عام 2023م، إن ملايين الأشخاص الذين درسوا في أمريكا على مدى سنوات يُشكلون خزانًا رائعًا للنوايا الحسنة تجاه أمريكا، وإن أغلب هؤلاء الطلبة السابقين ينتهي بهم الأمر إلى احتلال مراكز وظيفية متقدمة في بلدانهم يستطيعون من خلالها التأثير على نتائج السياسة التي هي مهمة للأمريكيين.
وحول جدار برلين ذكر المؤلف أنه قد تم اختراقه عن طريق التلفزيون والأفلام السينمائية التي كانت تنقل الصور المبثوثة من ثقافة الغرب الشعبية على مدى سنوات طويلة قبل سقوطه عام 1989م.
وعن مصادر القوة الناعمة الأمريكية يقول المؤلف: إنها أكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية على مستوى العالم، ويعمل فيها أكثر من (86) ألف باحث أجنبي، وتحتل أمريكا المرتبة الأولى في الفوز بجوائز نوبل العالمية في مجالات الفيزياء، والكيمياء، والاقتصاد، وبعدد كتب تنشر أكثر من أي بلد آخر في العالم، كما يوجد فيها حوالي 28% من بين أكثر من مليوني طالب تقريبًا مسجلين في جامعات خارج بلدانهم الأصلية.
وعن الطبيعة المتغيرة للقوة ذكر المؤلف؛ بأنها تحويل طبيعة الشعوب لكائن يمكن السيطرة به على القلوب والأفكار؛ وذلك من خلال امتلاكه على الأدوات التي يستطيع بها التأثير في سلوك الآخرين؛ بغرض تحقيق الأهداف بأساليب وطرق كثيرة، دون أدنى حاجة لاستخدام القوة الصلبة المتمثلة في الأوامر والحروب، وذكر المؤلف أن نجاحها يعتمد في المقام الأول على قبول المتلقي لها، والتي قد تأخذ أعوامًا عديدة للحصول على النتائج المرجوة.
وسلّط المؤلف الضوء على الأساليب التي تتبعها أمريكا في تمرير قوتها الناعمة، والتي من بينها استقبال اللاجئين إليها بسبب الحروب، أو المجاعات؛ بالإضافة إلى تقديم منح دراسية للطلاب الأجانب بدون مقابل مادي؛ وهذا نوع من بسط نفوذها وسيطرتها واستمالة قلوب الآخرين لسياساتها.
0