سيطرت حالة من الحزن على الوسطين الأدبي والثقافي، إثر رحيل الدكتور عبد العزيز الطلحي، أستاذ اللغة السابق بجامعة أم القرى، وعضو نادي مكة الأدبي ومجمع اللغة العربية بمكة المكرمة، نظرا لمكانة الفقيد، حيث كان قاصا وروائيا، ولديه مؤلف بعنوان “دلالة السياق”، كما أن له العديد من المشاركات في المؤتمرات والندوات.
وحرص العديد من أهل الفكر والأدب على نعي “الطلحي”، عبر “مكة” الإلكترونية، متذكرين مواقفهم مع الفقيد على مدار العقود الماضية.
من جانبه، قال الدكتور عبدالله بن إبراهيم الزهراني، أستاذ الأدب والنقد بجامعة أم القرى: “الدكتور عبد العزيز الطلحي عرفته منذ تزاملنا في السنة المنهجية قبل أربعين عاما، درسنا مادة مناهج البحث وتحقيق المخطوطات على يد أستاذنا محمود الطناحي، كان لبقا محبا للعلم، وحريصا على الطلب، تخصص في علم اللغة، يحب جمع الكتب والنقاشات”.
وأضاف “الزهراني”: “كنا نلتقي بين فينة وأخرى، يحب المطارحة والنقاش في العلم وأخبار الكتب والمعارض، ثم التقينا سنين عديدة في النادي تشاركنا مجلس إدارته مع الزميل والصديق الدكتور حامد الربيعي، إذا تكلم كأنه ينظم الكلام نظما، لا يهدأ عن النقاش في المسائل الأدبية والنقدية، وبعد فورة الرواية دخل في حلبتها وكانت له آراء تدل على عقل راجح ونظر ثاقب، تغمده الباري برحمته”.
فيما ذكر الدكتور أحمد بن عيسى الهلالي، الأكاديمي بجامعة الطائف: “الدكتور عبدالعزيز من الرجالات الذين تشرفت بلقائهم ومعرفتهم عن كثب، جمعتني به الفعاليات الثقافية في مدن مكة المكرمة والطائف ومكة وجدة، فهو على المستوى الإنساني من الرجال الذين تأنس بالجلوس إليهم، والتحدث معهم، فله روح شفافة طيبة”.
وأكد “الهلالي”، أن الفقيد كان يستمع بإنصات إلى المتحدث، وإذا تحدث يطربك هدؤه ومنطقه الرصين، وحرصه على اللغة، مضيفا: “حين كنت أرسل مقالاتي أو بعض أشعاري إليه، فإنه لا يهملها، بل يتفاعل معها تفاعل القارئ الحصيف، فيأتيني صداه محملا بثقافته وحسه الإبداعي، وذائقته الفاخرة”.
واستكمل تصريحه قائلا: “استعنا به في النادي الأدبي الثقافي بالطائف لتقديم دورة في علم الأصوات والعروض، فكان اختيارنا موفقا، وكانت من أميز الدورات في موضوعها، استمتعت بطرحه وعرضه، وأسلوبه ولغته، رغم بغضي لعلم العروض وابتعادي المتعمد عنه، وحين التقيته في أدبي مكة، في أمسية جمعتني مع الشاعرة شقراء مدخلي، تطرق في مداخلته إلى قصيدة ألقيتها عنوانها “موسقيني”، فتحدث عنها بحكم دخولها في تخصصه الأصواتي، وتقبل بروح منفتحه رد الشاعر البعيد عن العلمية والموضوعية في تلك اللحظة، ولم يعقب سوى بضحكة طيبة”.
وتابع الأستاذ بجامعة الطائف: “كنت آنس بوجوده في فعاليات سوق عكاظ، ونتجول في أروقة السوق، ثم نحضر الفعاليات الثقافية، فقد كان شديد الحرص عليها، فمنذ دخوله ينصت طوال الجلسة، ويدون ملحوظاته، ثم يطلب التداخل كعادته في معظم الفعاليات، ويتحدث بموضوعية وعلمية تطرب وتثري، أما آخر لقاءاتي به فكانت أمسية في أدبي الطائف، ضمن برنامج (رق منشور) كان الحديث فيها عن رواية الأستاذ فهد ردة الحارثي، ورغم تعب الدكتور ومرضه، إلا أنه تحامل على كل ذلك وحضر، وشرفت بالجلوس إلى جواره، فاقترب مني وناولني ورقة كتبها بخط يده الأنيق، وقال لي صوتي لا يساعدني على التداخل، أرجو أن تقرأها، فكانت كلمة أثيثة بالدفء والإشادة بالأستاذ فهد، وتهنئة بمنجزه الروائي”.
واختتم بقوله: “منذ ذلك الحين لم ألتق بالدكتور، وإنما تصلني أخبار معاناته في مرضه من صديقه المخلص الشاعر محمد حميد الطلحي، واليوم تلقينا منه أيضا نبأ وفاته الفاجع، فأسأل الله له الرحمة والمغرفة والمنزلة العليا من الجنة، وأن يلهم أهله ومحبيه وطلابه وأصدقائه الصبر والسلوان”.
فيما نعت أستاذة الدراسات الأدبية والنقدية،، الدكتورة سميرة بنت ضيف الله الزهراني، الفقيد قائلة، أدرك أنني لست بخير بعد أن فقدت أجنحتي وأحدا تلو الآخر في السابق فقدت أمي وأبي واليوم أفقد أبا وأخا وصديقا.. كان د. عبدالعزيز لي نعم الأب والأخ والصديق وكانت بداية معرفتي به في نادي مكة الأدبي حين ألقيت محاضرة علق بعدها الدكتور عبد العزيز بأني قلت كل ما في نفسه فكان كلامه هذا إشادة لا أنساها ومن أنا بتجربتي البسيطة أمام هذه القامة الشامخة علما ومعرفة ليتطابق ماقلته مع مايعلمه .
ألتقينا بعد الأمسية وشكرني على قبول دعوة النادي بل أنا التي شكرته لان كلماته الداعمة كانت حافزا قويا لي على المواصلة .
اتصلت به بعدها وعرضت عليه فكرة مساحة تويترية نعرض فيها عن السرد ..
سألني ولمَ ليس الشعر أيضا كان ردي بأن السرد ميداني الذي أحب وأتقن وإن أراد أن نحولها لمساحة أدبية على غرار الكثير فلا بأس
استمهلني ليفكر ويرد علي اتصل عليّ بعدها ليخبرنى بموافقته على أن يكون شريكا لي بل أنا التي أشاركه و أفخر به ولكنني وقتها كنت استعد للاختبار الشامل لأنهي دراسة الدكتوراة فاخذت منه وعد بأن نعود ونتناقش في المساحة .. و في نفس الليلة الرمضانية التي أنهيت فيها اختبار الشامل الشفهي اتصلت به وبشرته بإجتيازي وتحدثنا حول المساحة فكانت ولادة سرديات سعودية حيث وضعنا معا الخطوط العريضة لها ، وخططا طويلة ، وقائمة أسماء و كتب وكنت كل ما اقترحت اسما قال رائع ، لا بأس ، جميل مما زاد حماسي لأرتب لجميع أشهر السنة وأبدأ في تجهيز الحساب وعمل الدعوات و الإتصال بالضيوف وكان في كل مرة خير ناصح وداعم و معين .. وكنا قد خطتنا للعام القادم وطرحنا أفكارا كثيرة حول المساحة لكن الأقدار كانت أسرع .
كان الدكتور عبد العزيز بعد كل مساحة يتصل بي إما بمشاركة الضيف حيث نشكره ونتحدث معه حول المساحة ونأخذ انطباعه حولها أو نكتفي أنا وهو لعمل تغذية راجعة لكل لقاء ونحدد أهدافنا القادمة.
كان يوحي لي بأفكار جميلة وكنت كذلك تلتقي أحلامنا لصالح هذه المساحة كما فعلنا قبلها حين كنا نناقش رواياتنا ونضع خططا لها والتي لم يكتب لها الظهور حتى اليوم وربما تطوى ( الجمّال وحارة الجبل) ولا تظهر للوجود معا كما نشأت أساساتها معا .
لم أتوقع أن تغير بسيط في صوته كان مقدمة للفقد وكنت استبعد مغادرته السريعة لهذا العالم حتى أنه حين يخبرنى بخطواته في العلاج أرد بأن الله سيشفيه وسنعود لسرديات سعودية معا كما خططنا لها واستمر يوصي كل من يزوره بأن يستمر هذا المشروع و عاهدته أن يبقى هذا العمل الذي جمعني بإنسان غايته في الذوق واللطف والأخلاق والطيبة ماأمد الله لي في العمر .
لا أنسى حضوره من مكة ليشهد أمسية نقدية ألقيتها في الشريك الأدبي في الطائف ولا أنسى كم الروايات و المجاميع القصصية الاتي تبادلناها لتتمخض عنها مساحات سردية جديدة . ولا أنسى تعليقاته على كتبي حين يطلع عليها وعلى أفكاري والمؤلفات الجديدة التي كنت أحرص أن يكون أول من يطلع عليها .. لا أنسى حديثه عن الماضي عن أمه وخالته التي يشتم فيها رائحة الحبيبة الراحلة وحديثه عن الطائف بكل ما فيها من ذكريات كان يقصها عليّ ويرى أن هذه الطريقة تسهل ولادة روايته التي لم ترى النور للأسف..
رحل الرجل الطيب رحل الأب الحنون مع رحيل هذا العام الذي أبى أن يرحل إلا بوجع جديد.
أن يعيش الإنسان يحلم ويحقق في ظل من يثق به شعور لا يعرفه المرء منا إلا حالة فقده .
رحم الله أبي وأستاذي الدكتور عبد العزيز وجمعنا به وبأحبابنا في الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولائك رفيقا.
فيما نعت الكاتبة فاتن إبراهيم محمد حسين، عضو نادي مكة الثقافي الأدبي، الأديب الراحل، قائلة: “عرفت الدكتور عبد العزيز الطلحي -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- من خلال العمل معه في نادي مكة الثقافي الأدبي، وأعمال اللجان ودوره الكبير في متابعة الأعمال وتوفير الخدمات الفنية والتقنية للقاءات؛ وحرصه الشديد على أن تظهر بالمظهر الجيد الذي يليق بمستوى النادي، وطموحات قيادته ورواده من الأدباء والمثقفين”.
وأسهبت في حديثها عن الراحل قائلة: “كانت له البصمة الأدبية في طرح رواية معينة للقراءة قبل أسبوع من طرح النقد الأدبي لها، ثم في يوم اللقاء تطرح الأفكار النقدية لها، مما يحفز جمهور النادي على المشاركة الفاعلة وتعزيز الثقافة والأدب في المجتمع المكي، فضلاً عن متابعته لكل صغيرة وكبيرة في الأمور الإدارية، خاصة في أيام المؤتمرات والحفلات التي يقيمها النادي، والفعاليات الشهرية وجهود كبيرة في التنظيم، وكذلك الإشراف على المطبوعات وتدقيقها، فضلاً عن مشاركته في المناقشات الفكرية وطرحه الفلسفي القائم على عمق الفكر وبعد النظر، جعل الله ما قدمه في ميزان حسناته وعوضه جنات النعيم”.
وشارك مشهور بن محمد الحارثي، عضو لجنة الإعلام والاتصال بنادي مكة الأدبي الثقافي سابقا، في رثاء الفقيد قائلا: “رحم الله أبا عبدالله الدكتور عبدالعزيز الطلحي، الذي جمعتنا به أروقة نادي مكة الثقافي الأدبي عبر البرامج التي نفذت على مدى أعوام سابقة كان فيها نعم الشريك، ونعم الموجه بسمو أخلاقه وحسن تعامله، فأتت على صورتها الأكمل والأبلغ أثراً لدى متلقيها”.
واستكمل في تصريحاته ل”مكة” الإلكترونية: “الدكتور عبدالعزيز -يرحمه الله- شخصية ذات أريحية في حديثه الذي يبتعد فيه عن التكلف، أو إثارة الجدل المفضي إلى شتات الرأي، واستفزاز الآخر، فكان نتاج ذلك هذه القلوب التي اجتمعت حوله في حياته، وتجتمع اليوم من مختلف شرائح المجتمع لتأبينه، وتلهج بالدعاء له بالرحمة، والمغفرة، والقبول الحسن، وما نقول جميعًا إلاّ ما يرضي ربّنا “إنّا لله وإنّا إليه راجعون”.
وتوفي صباح أمس السبت ١٧ / ٦ / ١٤٤٥هـ، الدكتور عبد العزيز الطلحي، أستاذ اللغة السابق بجامعة أم القرى، وعضو نادي مكة الأدبي ومجمع اللغة العربية بمكة المكرمة، وأدى أهله ومحبيه الصلاة على الفقيد بعد العصر في المسجد الحرام، ووارى جثمانه الثرى في مقبرة المعلاه.