المقالات

أما بعد

فهناك عِلاقةٌ لا تقبل المساومة، واتصالٌ من نوعٍ لا يخضع للمقاومة، ورحلةٌ كُتِبت لتستمر على الدوام، ويظلَّ الماضون فيها في أُلفةٍ وانسجام. علاقةٌ يروي عطَشَها حُبٌّ عذبٌ كعذوبة السلسبيل، واقعيٌّ، لكنْ حتى في عالم الخيال ليس له مثيل. واتصالٌ لا يحتاج إلى تحريك شِفَاه؛ فالمشاعرُ الصامتة كفيلةٌ بلفت الانتباه. ورحلةٌ أُذِن لها أن تمضيَ في سلام، ويفوحَ طِيبُ مِسْكِها في النهاية والختام؛ تِلْكُم هي العلاقة التي قال عنها الحقُّ تبارك وتعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.
نعم، (مودةً ورحمةً) شرطٌ للاستمرار، ومُضيِّ الرحلةِ والإبحار. شرطٌ كي لا يعترضَ الحياة برودٌ، أو فتورٌ، أو خَدَر، أو تُجَعِّدَ وجهها شيخوخةُ الكَدَر، مهما تقادَمَ بها العَهْدُ واعتراها الكِبَر؛ فمع المودَّة رِفقٌ ولُطْف، ومع الرحمة إشفاقٌ وعَطْف، وتظلُّ حياةً يسودُها التفاهم، وزوجان بينهما الكثير من التناغم.
أما حين يسود المَلَلُ وتطغى الرَّتابة، ويُكثِرُ كلُّ واحدٍ على الآخر لومَه وعتابَه، وحينما تُوضعُ الأخطاء تحت المجهر، ويزِلُّ أحدُ الزوجين فلا يُعذَر، حينما يخالطُ سوءُ الظنِّ القلبَ ويأكلُ العقلَ الارتياب، ويسعى الكلُّ جاهدًا ليبحثَ لتكديرِ الصَّفوِ عن أسباب، حينما يعتقد الزَّوجُ أنه سيِّدٌ يَدِينُ له من تحته بالعبودية، وتختفي من قاموسه العواطف؛ فلا يداعبُ، أو يغازلُ، أو يلاطف، وحينما تُصبِح الزوجة (نِكَدِية)، ومصدرًا للشر والأذية، ولا تعودُ مصدرًا للتخفيف والمواساة؛ هناك تصبح الحياة بين الاثنين أبشع مأساة، وربما تحدث حينها الخيانة، ويستحضِرُ كل واحدٍ شيطانَه؛ فتغادر حينئذٍ المودةُ والرحمة، وتصبِحُ علاقةُ الحب بين الاثنين مجردَ علاقةٍ بين سجينٍ وسجَّان، أو بين إنسيٍّ وجان. تصبح الحياة حينئذٍ ميدانًا فسيحًا للتراشق بالألفاظ، كلَّما اشْتَاطَ طَرَفٌ أو اغتاظ. تصبح تلذُّذًا بالانتقام، وفجورًا في الخصام، ويصبح أحد الزوجين جلَّادًا والآخرُ الضحيَّة، وربَّما -لا قدَّرَ الله- سفَّاحًا يرتكبُ جريمتَهُ ويفتحُ القضيَّة. وليتها مجرَّدُ قضية؛ إنما هي الفاجعة، ضدَّ زوجٍ، أو زوجةٍ، أو حتى براءةٍ ضائعة.
ولأن العلاقة الزوجية علاقةٌ قدسية؛ فإنها لم تُخلق أبدًا لمصابٍ باعتلالاتٍ نفسية، أو اختلالاتٍ عقلية. فمن أدرك في نفسه شيئًا من ذلك، فلا يأخذ معه أحدًا إلى المهالك، وأحلكِ المسالك. ولْيُبْقِ قدسيَّةَ ما قدَّسهُ الله؛ يوم أن جعل الطلاقَ أبغض الحلال إليه، ويوم أن قال جلَّ من قائل: ﴿فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَیَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِیهِ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰا﴾.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى