حوار- محمد بربر
كان الأمر مجرد مزحة، أو دعنا نسميه تقليدًا للكبار، تناولت قلمها وقررت تقليد فتاة أكبر سنًا منها، كتبت هناء متولي القصة الأولى لها وطبعتها ثم قررت توزيع نسخٍ على المعلمين والأصدقاء في مدرستها، كان ذلك في المرحلة الابتدائية، قبل أن تمر سنوات وتحصد جائزة سعاد الصباح للإبداع العربي في العام 2019 عن المجموعة القصصية “التنفس بحرية أثناء السقوط”، ودرع “حلقة وصل” لأكثر النساء تأثيرا عام ٢٠١٨، ومنحة مؤسسة مفردات ببروكسل عن رواية الغريقات عام ٢٠٢٠.
وهناء كاتبة مصرية درست التجارة في جامعة المنصورة، صدر لها رواية “أسرار سفلية” عن دار أطلس للنشر والتوزيع، ثم حصلت على منحة وزارة الثقافة المصرية لبحث ميداني عن وضع النساء في سيناء، وكرمها المجلس القومي للمرأة عن سلسلة مقالات عن الفتيات في فترة المراهقة، وتقول إن والدتها أنقذتها حينما طلبت منها الاستمرار في الكتابة.
نلتقي عبر صحيفة “مكة” معها لنتبادل الحديث عن تجربتها ورؤيتها لبعض قضايا الأدب والنساء، فضلا عن إصداراتها الحديثة.
س: أهلاً بكِ هناء.. لماذا الكتابة؟
ج: الكتابة تعني حياة، إذا كان من الممكن قول هذا، هي التكيف مع العالم والتحايل عليه، لا أستطيع تخيل العالم بدون فن، من يمكنه تحمل كل هذا القبح دون علاج الروح؟ والكتابة أيضًا هي الفعل الوحيد الذي أود تحقيقه كل يوم وللأبد.
س: ومتى بدأت رحلتك معها؟
ج: أتذكر جيدًا.. أول قصة كتبتها كانت في المرحلة الابتدائية، كنت صغيرة ومحبة للقراءة وأحببت تقليد فتاة أكبر مني تكتب القصص، كتبت القصة وطبعت منها عدة ورقات ووزعتها على المدرسين والأصدقاء، لذلك من الممكن تسمية هذا الحادث، بأول علاقة لي مع الكتابة والأدب عمومًا.
س: هل يمكننا أن نقول إن هناك ثمة مصدر للإلهام والتأثير؟
ج: أظن أني تأثرت بكل الأشياء، بالجميع وبكل الفنون المتاحة وكذلك بالطبيعة، بالألم والمسرة، بكل الحوادث وبالتاريخ وبالخيال، لكن هناك الكثير من الكتاب الذين يعد تعرفي عليهم حدثًا فارقًا، أمثال شكسبير والبساطي ونجيب محفوظ وتشيخوف وأصلان ونيكولاي غوغول وكافكا طبعًا وإحسان عبد القدوس، لكن التعرف على الأدب الذي يروق لي أو لا يعجبني بالمرة، أراه مهمًا جدًا وملهمً جدًا.
س: في مسيرتكِ الأدبية كانت هناك العديد من الجوائز.. أنت صائدة بامتياز لها، ما الذي تضيفه إلى مشوار الكاتب؟
ج: بالطبع، الجوائز الأدبية مهمة جدًا للكتاب سواء من الناحية المالية وكذا المعنوية، لأنه لا يوجد احتراف حقيقي أو اعتبار الكتابة مهنة في بلادنا، إلى جانب أن الجوائز تعطي تجربة للكاتب، الكثير من الضوء والاهتمام، وهناك تعدد في الجوائز حاليًا.
س: إذن أنتِ مدينة للكتابة في رأيك؟
ج: أظن، أني مدينة للكتابة، لا العكس، وربما أيضًا مدينة للاكتئاب، الكتابة في المرة الثانية كانت محاولة للتخلص من هزة نفسية “نوبة اكتئاب مرتبطة بالأدوية والعلاجات الهرمونية”. أمي أنقذتني لما طلبت مني الكتابة، فهي تعرف تمامًا أني لا أفصح عن مشاعري، وكانت رحلة شفائي الخاصة والمستمرة.
س: هناك اهتمام كبير منكِ بالكتابة عن المرأة، هل النساء بحاجة إلى من يعبر عنهن؟
ج: هذا فخ وليس مجرد سؤال، ربما كانت كتاباتي حتى الآن تدور حول النساء، بالطبع كوني امرأة، أشعر أن هناك الكثير عن النساء يحتاج للضوء والصرخات بعيدًا عن التناول التقليدي والمباشر، لكن عن رؤيتي الخاصة للفن، فإلى جانب دور الفن الترفيهي هناك الدور الإنساني، فالفن صوت من لا صوت له، يرى ما لا يُرى ويشير إليه، سواء كان متعلقًا برجل أو امرأة أو سحابة صيف.
س: – كيف تقيمين النسوية في الأدب وما نظرتك إلى الأدب النسوي؟
ج: للأسف، نحن لا نعرف مفهوم الأدب النسوي الحقيقي في بلادنا، هناك وعي جمعي مشوه؛ بأن الأدب النسوي هو أدبيات اللطميات والبكاء وأدوار الضحية، لذلك يتم التقييم فيه بمنظور عنصري ومتواضع، الأدب النسوي لا يعني بالضرورة شيطنة الذكور، هو هدم بالأساس لأفكار متوارثة تقلل وتحجم من خيال النساء، وتقيدهن بأدوار محددة سلفًا، لذلك نلجأ للفن كوسيلة أخيرة للنجاة.
س: هل في رأيك هناك حالة تثوير للقصة القصيرة حاليا؟
ج: في رأيي، رغم عدي ميلي إلى التعميم والتصنيف، لكن من لم يكتب القصة القصيرة، لم يعرف جزءًا مهمًا من الفن، لكن هناك تحديات كثيرة أمام كتاب القصة منها صعوبة النشر والدعاية، لكنها الفن الأدبي الحقيقي الذي يستمر للأبد.
س: وماذا عن “دموع الكراميل”؟
ج: ” التنفس بحرية أثناء السقوط” هي مجموعتي الأولى، والتي أتجرأ وأصفها بأنها كانت مخلصة جدًا للفن، والحرية في الكتابة، كانت تدفقًا طيبًا وسعدت كثيرًا بحصولها على جائزة سعاد الصباح الأدبية كونها أقدم الجوائز الأدبية. أما دموع الكراميل مجموعتي القصصية الثانية، والتي أعمل عليها حاليًا، عبر التجريب في تقنيات سرد حداثية، وما أعتبره إخلاصًا للفن بطبيعة حال القصص، أتمنى نشرها قريبًا.
س: نص “الفلاسفة لا يعرفون الحب” جرى ترشيحه في القائمة الطويلة في جائزة الدوحة للدراما، لماذا المسرح؟
ج: “أنا ابنة للمسرح”، أعتبر نفسي كذلك، في أغلب مراحل حياتي ارتبطت بعلاقة وثيقة بمسارح المدارس والجامعة وكذلك المسارح الخاصة، لذلك سعدت بكتابتي لمسرحية” الفلاسفة لا يعرفون الحب” والتي وصلت للقائمة الطويلة في جائزة الدوحة، وأتمنى تكرار التجربة مرارًا.
س: أخيرًا.. هناك عمل روائي يصدر قريبًا.. ماذا عنه؟
ج: نعم.. لدي عمل جديد سيكون متوفرًا في معرض القاهرة للكتاب، رواية ” يوم آخر للقتل” الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، التي سعدت بالتعاون معهم كمؤسسة ثقافية وتنويرية كبيرة، وكذلك الرواية أتمنى أن تصل إلى أكبر عدد من القراء وهي تعبر عن الريف الحالي بعيدًا عن ريف الأعمال الدرامية المتداولة أو الريف القديم، ووضع النساء فيه ما بين الخرافة والحضارة.