المقالات

ساحر الكرملين!!

رواية مُفعمة بالشاعرية للروائي “جوليانو دا امبولي”، وهي عبارة عن صحفي أجنبي يسعى بشتى الطرق إلى مقابلة بطل الرواية “فأديم بارا نوف” الذي كان لقبه “ساحر الكرملين” أو مخترع الديمقراطية الزائفة، والرواية هي سرد فيه إطناب في كثير من الأوقات لسيرة هذا اللاعب والساحر الكبير مع القيصر “فلاديمير بوتين” لمدة ١٥ عامًا انتهت باستقالة “بارا نوف”، بعد أن أحس أنه كان ورقة خضراء ذبلت الآن فقطع نفسه قبل أن يُقطع!

تأخذك الرواية تدريجيًا إلى عالم الاتحاد السوفيتي الغامض “نوف”، والبذخ الكبير الذي كان يعيش فيه أعضاء الحزب الشيوعي والقتل على الشبهة من صاحب القبضة الحديدية “ستالين”، ثم الضعف والوهن الذي أصاب الروس في بداية انهيار الاتحاد السوفيتي على يد “جورباتشوف”، وصورة الرئيس الهش المخمور دائمًا “بوريس يلتسين” الذي كان يترنح وينام في الاجتماعات بل ويُغمى عليه ثم كيف ساهم “بارا نوف” هذا مع متنفذ وإخطبوط إعلامي آخر (تخلص منه بوتين لاحقًا) في صعود نجم فتى المخابرات الروسية “فلاديمير بوتين”: الرجل الصامت الهادئ لكنه قوي رياضي صارم وبدون مشاعر …واعتمدوا أسلوب اللادعاية في انتخاباتهم ثم جاءت حرب الشيشان، والتي علا فيها نجم “بوتين” بشكل كبير، وظهر بصورة القائد المُلهم لجنوده وللمجتمع الروسي الذي رفض الاحتفال بعيد الميلاد، ولم يكن يسكر وجنوده في المعركة، عمومًا تمضي الرواية في ذكر شخصيات روسية من رجال أعمال وساسة وسيدات وطهاة من أمثال “يفغيني بريغوجين” قائد مجموعة “فاغنر”، والذي لم يتطرق له المؤلف أبدًا..

وتُجادل الرواية في مفهوم السلطة المطلقة التي يحتاجها الناس في مجتمعهم، ويحتاجون إلى تسلسل هرمي عمودي معقد منحهم إياه “بوتين” بعد إعادة تشكيل السلطة وخلق طبقة من “رجال القوة” حوله …وكيف احترف اللعب بتلك السلطة بل كان ممثلًا متقنًا دوره وجاسوسًا محترفًا كذلك …يُجيد فن زراعة الخوف في نفوس الآخرين، ويركز على إظهار قوة السلطة في التركيز على أدق التفاصيل…و”بارانوف” نفسه كان مُتلاعبًا كبيرًا بأفكار الناس، وتُرِكت له لفترة طويلة التحكم بالإعلام والتلفزيون، وله فلسفة خاصة في سيطرته على وسائل التواصل الاجتماعي، وعن طريقها يتلاعبون بالغربيين، تقوم هذه الطريقة على أن تبحث عن ماذا يهتم الناس به ومن ثَمّ لا تلبث إلا أن تزيد كل مجموعة انغماسًا أكثر وأكثر فيما هي فيه خصوصًا!

وتأتي الرواية على ذكر الحرب غير المعلنة بين “بوتين و”روسيا” من جهة والغرب وتحديدًا “أمريكا” من جهة أخرى، يتلاعب الأمريكان بأوكرانيا، يوصلون إلى الحكم الموالين لهم رغم الانتخابات، ويؤثرون على جورجيا، ويريدون تركيع روسيا عن طريق عملائهم (هكذا صورت الرواية) مع آلة إعلامية جبارة ولكن “بوتين” يقف أمامهم بل ويستغل حتى الشخصيات الشعبية الروسية من راكبي الدراجات والمرتزقة وحليقي الرؤوس، والشيوعيين والمتطرفين الدينيين والمشاغبين، واليسار المتطرف واليمين المتطرف للعب دور في أوكرانيا. رواية تتخيَّل معها أنك تجلس على أريكة بجانب الرئيس الروسي “بوتين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى