المقالات

انقراض الأجيال في المجتمعات المتقدمة والمرفهة

“الانقراض” ظاهرة التناقص التدريجي كشائعة لمختلف الكائنات الحية البرية والبحرية لأسباب عدة منها بسبب ظروف البيئة وعدم دعم بقاء الحيوانات فيها، وتحول المجتمعات من مجتمعات العصر الحجري إلى العصر الزراعي ثم العصر الصناعي أو لتدخل الإنسان بالقضاء عليها بالتصحر أو بتحويل الأراضي الزراعية إلى أراضي سكانية للبشر؛ بالإضافة إلى التحولات المناخية والتلوث البيئي وفقدان التنوع الجيني، مما جعلنا نصل إلى حيوانات منقرضة وحيوانات مُهددة بالانقراض. واختفت الكثير من المخلوقات البرية مثل الديناصورات وغيرها، وهذا ما جعل الدول تتدخل لوضع الأنظمة والقوانين لحماية البيئات وتحديد المحميات.
نجد الأمر يتكرر في المجتمعات الإنسانية للدول المتقدمة؛ مما يؤدي إلى انقراض الأجيال فيها؛ فهناك من يقول انقراض الإنسان أو الانقراض البشري هو نهاية الجنس البشري التي قد تنجم عن أسباب طبيعية أو قد يكون تأثير الإنسان على البيئة عاملًا مباشرًا لهذا الانقراض. ويأتي ذلك عبر عدة سيناريوهات منها ما يُشير بأن نهايتها من النيازك أو البراكين، وهذا يمثل احتمالًا ضعيفًا يكاد ينعدم، لكن انقراض البشرية بسبب الإنسان هو أمر ممكن وغير مستبعد وأيدته عدة دراسات، ولذا فالإنسان نفسه قادر على إنهاء البشرية عبر الإبادة النووية العالمية، أو الحروب البيولوجية أو عبر نشر وباء قاتل؛ وخاصة في ظل مجتمعات تنعدم فيها منظومة القيم الأخلاقية والاستعاضة عنها بالمصالح، مع تهديد الانفجار الديموغرافي، والانهيار البيئي والتغيّر في المناخ؛ إلى جانب ذلك تأتي التقنيات الحديثة وأبرزها الذكاء الاصطناعي المتقدم، وما يُصاحبها من تقنيات ناشئة تابعة لها، وهناك من علماء الغرب من يحتمل انقراض البشرية في غضون مائة سنة قادمة، وأصبح موضوع للنقاش هناك وكثر الجدل فيه، ونحن كمسلمين لدينا يقين بأن الأمور بيد الله ولا يحدث في الكون إلا ما أراده الله.
والمفهوم الغربي للانقراض متمثل بانقراض القوى العاملة، والمشكلة زيادة نسبة من تتجاوز أعمارهم الخامسة والستين من إجمالي سكان أوروبا، وانخفاض عدد الولادات وتقلص عدد الأطفال في كل أسرة، وأصبحت شيخوخة السكان قنبلة ديموغرافية موقوتة تُهدد بالفناء وما يعقبها من قضايا تخص تكلفة الرعاية الصحية وجودة الحياة، مما أدى إلى قلة أعداد الشباب القادرين على العمل وزيادة الإنتاجية الأوروبية. وما نتج عن ذلك فتح باب الهجرة إليها لسكان الدول النامية. هذا بالإضافة إلى ما ينتشر في دول الغرب من العلاقات والتناسل بغير زواج، ومؤخرًا ظهور الشذوذ، وإهمال الأسرة وتكوينها من نفس الجنس، وقلة الإنجاب.
أما الانقراض البشري في الدول العربية النفطية يتمثّل في ظهور مشكلة أمن قومي ينبغي الانتباه لها وهي انخفاض معدلات النمو السكاني، تأخر سن الزواج بسبب غلاء مصاريف الزواج من مهور وحفلات الملكة وحفلات الزواج، مما أدى إلى عزوف الشباب عن الزواج، وارتفاع نسبة الطلاق للمتزوجين، وتأثير بعض التقنية على انتشار العقم، وانتشار ظواهر غربية مثل توفر العلاقات غير المشروعة قبل الزواج، وكثرة الهجرات الغربية إليها تتجاوز أحيانًا عدد السكان مع غيرهم من غير العرب والآسيويين، وكذلك عدم قابلية بعض فئات من الشباب لسوق العمل، وإهمال بعض الشباب لتطوير مهاراتهم وتنمية قدراتهم، ورغبة بعضهم للهجرة إلى دول أخرى خارج المحيط العربي، وتدريجيًا مع مرور الوقت سيؤدي هذا الأمر إلى خلل في التركيبة السكانية؛ مما يجعلها تُمثل مشكلة للأمن القومي لبعض الدول.

– عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام – جامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى