المقالات

يوم التأسيس(فجر ساطع ومستقبل واعد)

الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على النبي النذير والبشير المنير، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين… وبعد..
فصحراء قاحلة، وذرات رمل متطايرة، ودويلات صغيرة متناحرة، وبيوت شعر متناثرة، لكن هنالك شيء في الأفق يلوح، ويقترب ويحبو لكنه حبو طفل مثقل بلهيب الصحراء في صيفها أو بصقيع برد في شتائها لكنه ورغم ذلك كله يواصل حبوه واقترابه فما هو إلا أن ظهر واضحًا عيانًا أنه (فجر ساطع وغد مستقبل واعد) أذن بقيام دولة فتية في وسط الجزيرة العربية، وفي هضاب وسهول ووديان نجد في “الدرعية” أنها باختصار كما يقول أخي الأمير المفضال فيصل بن مشعل بن سعود آل سعود- حفظه الله-: “إمارات تتوحد وأمة تتكون ودولة تبنى وحضارة تشيد وتحول في الأخلاق والعادات وارتقاء من فوضى إلى نظام، ومن خوف إلى أمان واطمئنان ومن خلاف إلى وئام وتعاون وبناء، هذا باختصار حكاية المملكة العربية السعودية التي بدأت على يد المؤسس الأول الإمام محمد بن سعود -طيب الله ثراه-ليختمها الموحد العظيم والعلم الماجد جلالة الملك المغفور له عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود في ملحمة أقرب للأساطير والخيال منها للواقع؛ ليأتي من بعده أبناؤه الغر الميامين وضعوا بصماتهم وإضافاتهم على بناء المؤسس وغرسه”. انتهى.

إنه مما ينبغي التنبه له ومعرفته أن قيام الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- لم يكن وليد صدفة أو اتفاق عشائري أو تسوية سياسية أو مفاوضة أممية بل إنه: أولًا: أن الله سبحانه وتعالى أراد تكوين وظهور هذه الدولة في وقت أشد ما يكون الناس حاجة إليها، وإلى قائد عظيم ملهم كالإمام محمد بن سعود يحمل الناس على نظام تتآلف به القلوب وتتحد به الكلمة.
ثانيًا: الناس بفطرهم مسلمون، وقد وجدوا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومناصرة الإمام محمد بن سعود لهذه الدعوة المباركة وجدوا ما تدعوهم فطرهم إلى مناصرته، والوقوف معه، وبذل الغالي والرخيص في سبيل تحقيقه.

ثالثًا: لم تدنس أرض نجد باحتلال خارجي ولا بدعوات هدامة مما كان شائعًا آنذاك في بعض الأقطار العربية والإسلامية؛ ولذلك فقد وجد الناس في إمارة وبيعة الإمام محمد بن سعود ملاذًا أمانًا مما يهدد حياتهم وعقائدهم وقد وفت الدولة السعودية سواء الأولى أو الثانية أو الثالثة شعبها ما وعدتهم به، وقامت على سياسة الناس والأخذ بأيديهم إلى كل ما ينفعهم، ودفع كل ما يضرهم خير قيام.
لقد استمر حكم الدولة السعودية الأولى من عام (١١٣٩ هجرية) إلى عام (١٢٣٣هجرية)، وتعاقب على قيادتها أئمة أفذاذ بداية من المؤسس الأول الإمام محمد بن سعود ومرورًا بولده الإمام عبد العزيز بن محمد ثم الإمام سعود بن محمد ثم الإمام عبدالله بن سعود، وخلال هذه الفترة الطويلة أثبت السعوديون جدارتهم وقدرتهم ليس فقط في إخضاع جميع الأقاليم بل في فن إدارة البلاد وتعاملهم مع الأحداث والوقائع الكثيرة التي لا يستطيع إدارتها ولا معالجتها إلا من حباه الله توفيقًا وفهمًا وقوة وإدراكًا لمآلات الأمور وعواقبها، ولعل هذا من الأسرار العظيمة والبديعة التي أودعها الله واستمرت في الدولة السعودية الثانية ثم الدولة السعودية الثالثة، والتي هي اليوم أعني بها -المملكة العربية السعودية-بفضل الله وتوفيقه وارثة لمجد مؤثل ولتاريخ مشرف ولسجل حضاري تليد أكسبها مكانة عالمية ومركزًا مرموقًا لو لم يكن إلا أنها قائدة العالم العربي والإسلامي وحامية الحرمين الشريفين والقائمة بخدمتهما والمدافعة عن حقوق المسلمين بل عن حقوق الإنسانية. لقد وقفت المملكة العربية السعودية-حفظها الله- في كثير من المحافل العربية والإسلامية والدولية مدافعة عن قضايا الأمن والسلام والعدالة والحرية متمثلة في ذلك تعاليم الإسلام الخالدة والعادات والتقاليد العربية الأصيلة، واليوم وفي ظل قيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- وولي عهده رئيس مجلس الوزراء الأمير الألمعي الشاب المتوقد حنكةً وذكاءً وإدراكًا لمعالي الأمور وكبارها سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- ووفقه ونصر به دينه وأعلى كلمته، تعيش المملكة العربية السعودية بفضل الله أزهى عصورها وأوج قوتها عائشة ورافلة في عيش كريم وأمن ظليل ولحمة وطنية وتألف بين الراعي والرعية بين قيادة حكيمة وشعب سعودي مسلم كريم أصيل في خضم عالم يموج بأحداث كبيرة ومنعرجات خطيرة وتحولات جسيمة، ورغم ذلك كله بقيت المملكة العربية السعودية بقيادتها وشعبها شامخة شموخ الجبال الراسيات واثقة بعزها ومجدها؛ وكأنها تقول للعالم بأسره: ماضر شمس الضحى في الأفق ساطعة ألّا يرى نورها من ليس ذا بصري.
فنسأل الله العظيم أن يحفظ المملكة العربية السعودية، وأن يحفظ ولاة أمرها ومواطنيها والمقيمين على أرضها، وأن يدفع عن كل بلاد المسلمين الشر والفتن.

– استاذ الفقه المقارن المشارك بكلية الشريعة والقانون جامعة تبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى