الطبيب والأديب والكاتب والفيلسوف المصري الأستاذ الدكتور مصطفى محمود، قام بمد العديد من الجسور بين العلم والإيمان، تخلى عن تخصصه في الطب؛ ليثري المكتبة العربية والإسلامية بروائع من مؤلفاته وكتاباته في الأدب والفكر والفلسفة والاجتماع، ألف 89 كتابًا في مجالات مختلفة، وقدَّم أكثر من 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير “العلم والإيمان”.
ظل الدكتور مصطفى على مدى أكثر من نصف قرن يُمثل ظاهرة فكرية وأدبية تُثير الكثير من الجدل، وتدعو إلى نقاشات وحوارات في الكثير من الموضوعات.
من أجمل وأروع ما خطه الدكتور مصطفى محمود، أستشهد بالتالي:
(لا تتوهم أن الدين هو أن تنطق الشهادة، وتصلي، وتزكي، وتصوم، وتحج، وتقرأ القرآن، وانتهى الأمر؟ لا …!!
إن هذه العبادات هي عبادات شعائرية “لازمة”، هي فرائض قدرها رفيع وستُحاسب عليها، لكنك لن تقطف ثمارها ولن تحقق أهدافها إلا إذا صحت عباداتك التعاملية “المتعدية”؛ لن تصح إذا ظلمت، وقصرت، وأذيت، وكذبت، وشتمت، واغتبت، وسرقت….
إن انتماءك الشكلي إلى الدين هو بينك وبين ربك، أن تضع صورة الكعبة بصدر بيتك لا يكفي، ومصحف في مركبتك لا يكفي، أن تصلي على سجادة 100 ألف صلاة لا يكفي، كما أن مسبحة ألفية في يدك أيضًا لا يكفي!!
إن الدين هو استقامتك، معاملتك، رحمتك، صدقتك، التزامك، عدلك، تربية أبنائك، إحسانك لزوجتك، حفظ لسانك، أداء عملك بإخلاص، سعيك للخير، نظافتك، ما في جوفك، لسانك، إن الدين خُلق وورع وتقوى واستقامة). “انتهى الاستشهاد”.
وللدلالة على أهمية العبادات التعاملية أو المتعدية، نجد أن عدد آيات القرآن الكريم تساوي 6236 آية، منها فقط 110 آيات عن العبادات الشعائرية “اللازمة”، بينما عدد آيات العبادات المتعدية “التعاملية” تساوي 1534 آية.
وقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا”، لم يقل -صلى الله عليه وسلم- أكثركم صلاتًا أو صيامًا.
إن الناس لا يهمها أن تصلي أو تزكي وتصوم وتحج، فهاذا أمر بين العبد وربه، حسناته لك في النهاية، ولكن ما يهمها هو تعاملك الجيد، وصدقك، وحسن خلقك وأنت تتعامل معهم.
لا يزال في الذاكرة عندما طلب منَّا في بداية الدراسة لقاء رئيس جامعة ويلز البرفسور “موريس”، كان اللقاء فرصة للتعارف بين طلاب الابتعاث الجدد الملتحقين حديثًا بالجامعة وقيادتها، وهو تقليد سنوي تقيمه الجامعة؛ أذكر عندما قام أحد الطلاب المسلمين يتكلم عن محاسن الدين الإسلامي الحنيف، وكيف أنه يحث على كل فضيلة.
أذكر أن رئيس الجامعة البروفسور “موريس” ذكر في رده على الطالب أن كل ما جاء في الدين الإسلامي والسيرة النبوية أشياء صحيحة ومقدرة بالتأكيد، غير أن السؤال الأهم هو هل أنتم تطبقون ذلك في معاملاتكم مع الآخرين؟
0