من أقوال الكاتب والروائي والفيلسوف الفرنسي الكبير الذي عُرف بنقده الساخر “فرانسوا ماري ارويه”، الشهير بلقب “فولتير”، عاش في عصر التنوير، وتوفي سنة 1778م، قال: “العمل يبعد عن الإنسان ثلاثة شرور: السأم والرذيلة والحاجة”.
هذه الحكمة البليغة للفيلسوف الفرنسي “فولتير”، تُعتبر درسًا حيًّا للشباب، يحثهم بأن يتحركوا، وينطلقوا، ويبحثوا عن رزقهم في فجاج الأرض، ونواحي الأعمال.
لا يزال في الذاكرة عن أبناء مكة المكرمة، فقد كانوا يغتنمون موسم الحج في خدمة ضيف الرحمن، بما يكسبهم أيضًا لقمة حلالًا، حتى بات (الموسم) موعدًا مضروبًا لسداد الديون، ووفاء الالتزامات، فيقول بعضهم لبعض: “أسددك بعد الحج”.
ولقد مررت شخصيًّا بهذه التجربة وأنا من بداية المرحلة الإعدادية، ووجدت بركتها ولله الحمد، فكنت أعمل قديمًا، حتى وأنا طالب في الجامعة إبان الإجازة في موسم الحج، سائقًا للحافلات، ومطوفًا للحجاج، ومرشدًا لضيوف الرحمن، ومع الوالد في مقهاه بشارع إبراهيم الخليل، فأرجع بنحو خمسين ألف ريال في فترة الحج، هي في ذلك الوقت ذات شأن عظيم؛ حيث لم تكن المكافأة الشهرية للطالب الجامعي وقتها تتجاوز 250 ريالًا.
وليس القصد بالطبع من رواية هذه التجربة الشخصية دعوة أبنائنا الشباب السعودي الكريم إلى أن يعملوا الأعمال ذاتها، أو يمارسوا المهمات نفسها، ولكن القصد منه هو إلى المعنى الكامن في هذا التفاعل المكي مع الواقع الاقتصادي المتجدد سنويًّا في هذه المدينة المقدسة، وكيف يكون الأمر، وقد أصبحت مكة المكرمة-شرفها الله- يرتادها الزوار والمعتمرون طوال أشهر السنة.
إن المعنى المقصود من كل ذلك هو حث الشباب على أن يبحثوا عن (فرص الكسب) التي يزخر بها مجتمعهم، ولكل مجتمع طبيعته وبيئته وفرصه الاقتصادية الخاصة بها، والتي كثيرًا ما نتركها للآخرين مع الأسف! نحن في بلد بها معدل بطالة حسب الإحصاءات الرسمية في حدود (8%)، بينما هي تستضيف حوالي 12 ونصف مليون وافد للعمل من خارج المملكة ! إنها صورة واضحة وجلية من تنازل شبابنا وللأسف عن (فرص عمل) حقيقية تدر ربحًا حلالًا وكبيرًا.
إن ما ينبغي أن يكون حافزًا للشباب على هذا التوجه هو ما تبذله الدولة مشكورة من جهود حقيقية لتوطين الأعمال، بما في ذلك التوجه الجاد نحو (ريادة الأعمال)، وتوجيه الجامعات إلى الحفاوة بالرواد الشباب، وهي كلها توجهات استراتيجية تسعى القيادة -حفظها الله- من خلالها إلى دفع الشباب السعودي؛ لإيجاد فرص عمل جديدة تحرك الاقتصاد الوطني، وتُقلل من الاعتماد على التوظيف الحكومي، وتستثمر بشكل أفضل الموارد البشرية المميزة التي تحظى بها بلاد الحرمين الشريفين: المملكة العربية السعودية.
0