مكثنا في لندن ليلتين فقط بعدها حجزنا تذكرتين بالقطار لي ولزوجتي إلى مدينة أبريست ويست في وسط ويلز؛ حيث الجامعة أما الأبناء فركوبهم بالمجان؛ لأن أعمارهم أقل من 12 سنة وهو السن الذي يجب على الشخص أن يدفع فيه ثمن تذكرة المواصلات حسب القانون البريطاني. قبل رحلة القطار اتفقت أنا وزوجتي الشريفة “إبتسام” على أن أتحمل مسؤولية الحقائب، ونقلها إلى القطار وبين الأرصفة، وتتحمل هي مسؤولية الأبناء واحتياجاتهم أثناء الرحلة. كنا جميعًا مبهورين من المناظر الخلابة أثناء الرحلة، ويومها لم يكن القطار مباشرًا، ولكن يتم تغييره في محطتين هما: محطة شيزبري ومحطة نيوتاون، ولولا فضل الله عليَّ وبركة رضا الوالدين لم أكن أستطيع وحدي نقل هذا العدد الكبير من رصيف لآخر أولًا لضيق وقت التوقف وللعدد الكبير من الحقائب، ولكن سخر الله سبحانه لي بأحد الأخوة المسلمين من الجالية الهندية كان في إجازة، ويعمل في نفس المدينة التي فيها جامعتا، وعندما شاهدني وحدي أنقل الحقائب وعرف أنني من أبناء مكة المكرمة، شمر عن ساعديه ووقف معي إلى أن وصلت للمدينة الجامعية. كانت المشرف على دراستي قد حجزت لي غرفة عائلية في فندق أمام محطة القطار واسمه فندق “أبر”، وهو أشبه ما يكون بدار ضيافة بسعر 10 جنيهات إسترلينية لليلة الواحدة شاملة وجبة الإفطار. شكرت ذلك الرجل الهندي الذي ساعدني في حمل الحقائب خلال الرحلة وللأسف لم ألتقِ به بعد تلك الرحلة. عند وصولنا كان الجو شديد البرودة في منتصف أكتوبر 87م، والأمطار لا تتوقف وأنا قادم من وادٍ غير ذي زرع، أدى ذلك لمكوثي في الفندق مدة ثلاثة أيام إلا للضرورة بهدف أن تتوقف الأمطار، غير أن الوضع كما هو مما أدى للمشرفة للاتصال بالفندق للسؤال عني وبعد أن حولوها لغرفتي، وعند معرفتها بسبب مكوثي قالت ضاحكة: “بهذا سوف تظل مدة بعثتك في الفندق؛ لأن المطر عندنا لا يتوقف يوميًا”، وطلبت مني شراء معطف مطر ومظلة واقية والذهاب إلى الجامعة لإكمال أوراق تعييني. وبالفعل أخذت بنصيحتها وذهبت إلى الجامعة، وأكملت مستلزمات القبول، ومررت على مسؤولي السكن، وأعطوني اسم سيدة لديها سكن عائلي للإيجار. عدتُ إلى الفندق وذهبت مع الزوجة والأبناء إلى مطعم “ويمبي” للوجبات السريعة، وأطلعت زوجتي على ما تم عمله فيما يخص الجامعة، وذكرت لها أن هناك سيدة لديها سكن للإيجار يبعد عن وسط المدينة بحوالي 14 كيلو مترًا يتكوَّن من غرفتي نوم وصالة استقبال ومطبخ مع حمام واحد فقط، تركت لزوجتي مهمة استئجار السكن لمعرفتها بمتطلبات السكن المريح. في صباح اليوم التالي أتت السيدة بسيارتها وذهبنا سويًا لمشاهدة المنزل، وتمَّ بالفعل الاتفاق مع السيدة على استئجار المنزل بأجر أسبوعي قدره ثلاثون جنيهًا إسترلينيًا. قامت زوجتي بشراء بعض المستلزمات غير متوفرة في المنزل؛ وبالإضافة لذلك كُنا محظوظين جدًا؛ لأن روضة مدرسة الأطفال للابن مشرف تقع تمامًا أمام المنزل.
0