لم أتصور أن فراقه مؤلم لهذا الحد، وهذا شهر رمضان للمرة الثانية يأتي علينا، وأبي لم يكن موجودًا بيننا، كم هي قاسية لحظة الرحيل، تربك القلب والعقل معًا، مضى عامان والعقل لا يستوعب غيابه، والحزن يستبد بقلبى، راضيًّا بقضاء الله، ولكنه حزن الفراق يُداهمني من حين لآخر، كسينما تعرض أجمل الذكريات مع أبي، الذي ولد بمكة المكرمة، وكان تخصصه لغة القرآن الكريم،”اللغة العربية” وأنجب ثلاث فتيات وأنا؛ فقد صنع كل جميل من أجلنا، وأحسن تربيتنا وأكرمنا، وجعلنا نعيش حياة كريمة عزيزة، فكل كلمات الرثاء تقف حائرة أمام رحيله، فغيابه أشبه بطفل كان يحتمي بمظلة كبيرة، وفجأة وجد نفسه في العراء، فكنت نعم السند والحضن الذي كنت ألقي فيه همومي الحياتية.
عامان مضوا ومكانك أصبح فارغًا، يا أبي، أولادك يشتاقون إليك، يحنون لحنانك الكبير، ولنصائحك التي لم نجدها في أعرق الجامعات، وأحفادك الذين كنتم لهم جنة الدنيا، وكانوا يختبئون في حضنك ويلعبون بين يديك، وما أن أحزنهم أحد منا ذهبوا إليك؛ لأنك سوف تنتصر لهم على من ظلمهم، هم يفتقدونك للغاية، لم تغب منذ رحيلك عن عقل وقلب ابنتي رامه، وتذكرني عندما كنت تحب أن تُناديها يا غرامي، وطلال حفيدك عيناه تخبرني بحزن رحيلك عنا، فلم ولن يسد فراغك أحد، ولا نملك سوى سلاح الصبر والرضا لكي تسير الحياة، يقولون: إن الحزن يبدأ كبيرًا وينتهي صغيرًا، ولكن في رحيل أبي مازالت غصة في قلبي تؤلمني، رغم مرور عامين أبي أسأل الله أن يرحمك وأن يُعاملك برحمته التي وسعت كل شيء، وأن يُجازيك عنا خير الجزاء، فلقد تركتني رجلًا أعتمد على نفسي ولكنك تركت فراغًا كبيرًا لأخواتى البنات فأنت الحضن الدافئ الذي تتفرغ فيه كل همومنا ومشاكلنا، لكن غيابك سيظل شيئًا ناقصًا في حياتنا لا يعوضه شيء، رحمك الله يا مهجة القلب والروح، رحمك الله يا من بغيابه غابت أمور كثيرة في حياتنا.. لك منا كل الدعوات وكل الحب وكل السلام.
0