المقالات

تهنئة

إخواني وأخواتي
بعد أن ودعتم الشهر الكريم (رمضان) وقد غمرتكم السكينة في رحابه، وتطهرتم من أوضار الذنوب في ليله ونهاره، وشحنتم قلوبكنا من صفاء نوره، ورحيق بلسمه، فلا مندوحة من أن تشرئب الأعناق إلى ترقب حصاده تغييرًا جذريًا، في نظرتكم للحياة الفانية بموضوعية واعتدال، وخلوصكم من تراكمات العيوب وأوضار الذنوب، وآية ذاكَ صفاء القلوب من القاذورات النفسية، والعادات القبيحة المتأصلة، والأخلاق الساقطة المرذولة، ولا سيما وأنتم تستفتحون حياة جديدة ذات نقلة نوعية رفيعة، ترقى إلى التشبه بالملائكة الكرام، وتعلو فوق حياة الرعاع والطغام، وهذا يدعونا أن نلتمس فقه التتابع التشريعي ابتداءً باستراحة الصائم التي تبدأ بالتكبير ليلة العيد واستفتاح صباحه بطعمه المسنون (سبع تمرات معدودات) محفوفًا بالفرح والسرور، والخروج إلى المصليات تحت عنان السماء المكشوف، في مشاهد لا تغيب عنها الملائكة، ويدعى لحضورها عموم المسلمين والمسلمات وذوات الخدور، والحيض اللاتي يشهدن دعوات المسلمين ويعتزلن المصلى، ومن قبيح الخصال وفساد الحال والمآل حمل جرثومة الهجران، وقطيعة الأرحام، وإساءة الجوار، وعقوق الوالدين، ومن الجفاء الواضح في الحواضر الكبرى، اختفاء السلام والتهنئة والتصافح بين المصلين، وكل ينقلب إلى بيته؛ ولذلك يهرع القرويون إلى قراهم لاستنشاق عبير العيد الذي يفتقده أهل الحواضر؛ مما حمل أهل الفضل والجود والكرم والبراعة والذكاء إلى سد هذا الفراغ (الحضري) في الأحياء، بنصب الخيام الكبيرة المكيفة والمجهزة بمظاهر الضيافة الجفلى لاستقبال الجميع، وبرحيل شهر الصوم وفي نفوس حرقة الوداع، تتهيأ النفوس المسلمة لدخول أشهر الحج ابتداءً من شوال كما قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ) (سورة البقرة: آية 197)، وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة، وكان من دقيق فقه أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) تحري شهر شوال لزفاف العروسين من أهلها وتتفاءل بذلك، لما يحفه من الفضائل والكرامات؛ حيث يدلف إليه المسلمون وهم بُراء ومتطهرون من الذنوب، وهكذا نلحظ الترابط التشريعي المحكم، البريء من الآثار والشدائد، في تنقل سلس من عبادة إلى أخرى، بتناغم رفيع مع صيرورة الزمان والمكان والذوات والتشريع ..
فتقبل الله منا ومنكم صالح العمل.. وكل عام وأنتم بخير..

أخوكم/ أبو عبد الرحمن 

أ.د. غازي غزاي العارضي

استاذ الدعوة والثقافة بجامعة الاسلامية وجامعة طيبة سابقا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى