المقالات

مظاهر العيد بين الأصالة والتجديد

العيدُ من المناسبات السنوية التي يحتفل بها المسلمون في كل بقاع العالم، وهو رمز للمحبة والتآلف فيما بينهم، وكسائر المسلمين نحتفل في المملكة العربية السعودية بالعيد ونفرح بقدومه؛ فهو يعبِّر عن فرحة انتهاء أيام الصيام، وليالي القيام وتحقيق القرب من الله، وزيادة الأجر ومضاعفة الثواب. ولهذه البهجة والفرحة مظاهر مميّزة وتقاليد عريقة انتشرت عبر العصور من أجل استقبال العيد، ترحيبًا به وتهيئة لقدومه قبل وصوله. كشراء الملابس الجديدة، وتحضير الحلويات الخاصّة بالعيد وتزيين المنازل وترتيبها؛ وذلك كمظهر من مظاهر الفرح بقدوم هذا اليوم العظيم الذي جعله الله مكافأة للصائمين، وشرع للناس فيه الفرحة ولبس كل جديد.

ولعيد الفطر نكهته وفرحته الخاصة في مختلف البلدان الإسلامية، وتختلف طقوسه من بلد لآخر، حسب عاداته وتقاليده، لذلك نرى ونشاهد في كافة مدن ومحافظات وقرى المملكة العربية السعودية طقوسًا خاصة بعيد الفطر السعيد مارسها الآباء والأجداد؛ فبقيت عنونًا للأجيال عبر التاريخ وذلك بتشجيع من حكومتنا الرشيدة التي غرست في الأجيال حب التراث والموروث والتمسك بالعادات والتقاليد، التي لا يزال الكثير من الآباء يحتفظون بها ويتذكرون تفاصيلها التي ورثوها من أسلافهم؛ حيث يجدون فيها الفرحة الحقيقية، التي توقظ الذكريات رغم التطور الذي حصل والتغير الذي طرأ على المجتمع ودخول بعض العادات الحديثة عليه.

وإذا ما عُدنا بالذاكرة إلى الوراء؛ فإن برنامج ومظاهر العيد قديمًا كانت تبدأ
من ليلة تحري رؤية هلال العيد عن طريق الأشخاص الذين يتمتعون بنظر حاد، لا سيما من يعيشون في الصحراء أو القرى النائية، لعدم وجود الأضواء الساطعة؛ حيث ينتظر الجميع صغارًا وكبارًا رجالًا ونساء خبر ثبوت رؤية هلال العيد بفارغ الصبر وبكل شوق وحماسة. فإذا ما ورد خبر العيد بدأ كبار السن بإطلاق الأعيرة النارية من بنادقهم إعلانًا للخبر وتنبيهًا للقرى والهجر المجاورة لهم أو بإشعال النار على رؤوس الحبال كعلامة تدل على خبر العيد، أما على مستوى أهل البيت؛ فإن الفرحة تكون عارمة وتختلط تلك الفرحة بما كانت تبثه القناة السعودية الوحيدة من أهازيج للعيد؛ فتبدأ النساء بترتيب البيت وإعداد الوجبات والحلويات التي تقدم في صباح العيد، فإذا ما أدى الناس صلاة الفجر، رجعوا إلى منازلهم ليتناولوا بعض التمرات ثم يذهبون إلى مصلى العيد، والذي عادة ما كان يقع في العراء خارج البلدة، فيهللون ويكبرون ويحمدون الله على ما خصهم به من جزيل النعم، وقد لبسوا أفخر ملابسهم وتجملوا بما عندهم من زينة، وبعد أداء الصلاة يهنئ الناس بعضهم بعضًا في فرح وسرور ثم يعود الجميع إلى البيوت؛ حيث يجدون الموائد والأطعمة الشعبية والحديثة التي أُعدت لهذه المناسبة العظيمة.

وأما الأطفال فلهم احتفاليتهم الخاصة في مثل هذه المناسبة؛ حيث يجتمعون في ليلة العيد بعد إعلان ثبوت رؤية هلال شهر شوال؛ ليشعلوا المشاعل وبعض الألعاب النارية البسيطة وغير المكلفة، والتي ربما يصنعها الشاب بنفسه من وسائل بدائية، ويرقصون الرقصات الشعبية بجوار تلك المشاعل في فرح وحماس، فإذا ما انطفأت وخمدت نارها عادوا أدراجهم إلى منازلهم ليستعدوا للنوم مبكرًا من أجل القيام في ساعة مبكرة للبس ملابسهم الجديدة التي كان البعض يضعها بجانب رأسه فرحة بها؛ حيث يبقى يتأمل فيها حتى يغلبه النوم، فإذا طلع الصباح لبسوا ملابسهم وانطلقوا مع أهلهم وذويهم لأداء صلاة العيد، وبعد الفراغ من الصلاة والاجتماع مع الأهل والأقارب يبدأ الأطفال والشباب الذين هم دون سن الثانية عشرة بالتجمع في نقطة التقاء قبيل صلاة الظهر، ومن ثم الدوران على البيوت المجاورة بيتًا بيتًا ليجدوا النساء في انتظارهم بشيء من الحلوى وبعض الأكلات الشعبية بينما تجود أيدي الرجال المقتدرين بمبلغ مالي صغير، كان يُشكل كنزًا لأولئك الأطفال ينتظرونه من عام لآخر، ويضعون الخطط لتدبيره وكيفية صرفه في الأيام التي تلي أيام العيد، فإذا ما غادروا من تلك المنازل رددوا بصوت جماعي: (عاد عيدكم).

وفي الختام فإن معظم هذه العادات القديمة الخاصة بالعيد حاليًا لم يعد لها وجود إلا في أحاديث الذكريات التي يرويها الآباء والأمهات والأجداد للجيل الجديد الذي باتت معايدته تتم على الهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي؛ وعليه فإنه يجب أن يدرك الحميع أهمية المحافظة على مظاهر العيد المتوارثة عبر الأجيال، وأن تطغى على احتفالاته روح المحبة، والتآلف، والتضامن، والتمسُّك بالقيم والمبادئ الإسلامية السامية، والمحافظة على مظاهر الأعياد، وتوريثها للأولاد والأحفاد، وكذلك التركيز على زيارة الأهل والأقارب، وإقامة المناشط الاجتماعية في أيام العيد ولياليه كالفنون الشعبية، والأكلات القديمة، والألعاب الحركية البسيطة وجعلها من أولويات مظاهر العيد، وكل ذلك من أجل تعزيز العلاقات الاجتماعية، وتمتين عُرى الروابط الأسرية بما يعزز المحبة، والتآلف بينهم.

وخزة قلم:
مع تطور الحياة، وتغيُّر العادات والتقاليد اختفت بعض المظاهر التي كانت جزءًا من عيد الفطر السعيد؛ فهل سيأتي اليوم الذي تعود فيه تلك المظاهر؟!

عبدالرحمن العامري

تربوي - كاتب صحفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى