استكمالًا لموضوع التغافل في المقال الأوَّل الذي اقتبست العنوان من خطبة الجمعة الأوّل من شوال لعام ١٤٤٥هـ في المسجد الحرام للعلامة معالي الشيخ الدكتور/ صالح بن حميد -حفظه الله- ولأهمية الموضوع خُلقًا ومهارة، وأسلوب تعامل في الحياة؛ فقد وجدت ضرورة الاستزادة في الحديث في الموضوع، وإن كان يحتاج لمحاضرات وورش ودورات لا سيما وأن الصحة النفسية للإنسان في عالم اليوم مرتبطة بالقدرة والمهارة في التكيُّف وحسن التعامل مع صعوبات ومشكلات الحياة اليومية؛ ولذلك فإن التغافل وهو خُلق ومهارة هامة من ضمن عدد من المهارات والأخلاق الهامة التي حث على الالتزام بها، والتخلق بها ديننا الإسلامي الحنيف بل وحتى الديانات الأخرى والحضارات والثقافات الإنسانية الأخرى قد حثت على ممارستها والتحلي بها وبغيرها من الفضائل والقيم الرفيعة؛ ليتمتع الإنسان بالصحة والسعادة والرضا في الحياة، وهنا أعود للتعريف بمعنى “التغافل” كما ورد في خطبة معالي الشيخ صالح وكذلك في معاجم اللغة وأدبياتها والدراسات العلمية وحكماء وعلماء الأمة والعالم. فما هو التغافل؟
فقد عرفه معالي الشيخ/ صالح في خطبته المشار إليها بأنه ترك ما لا يعني والحرص على ما ينفع، وتحمل الأذى الصغير، من أجل دفع الأذى الكبير
والتغافل هو إعراض عمَّا لا يستحسن من القول والفعل والتصرف، وغض الطرف عن الهفوات، والترفع عن الصغائر، ومن أفضل ما قيل عن التغافل كما ورد في خطبة الشيخ/ صالح قول الإمام أحمد -رحمه الله-؛ العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل، ويقول ابن الجوزي -رحمه الله-: ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، وهكذا يجمع العلماء والحكماء والمربون على أهمية سلوك وخُلق التغافل في الحياة والإمام الشافعي يقول:
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
فكيف نربي أنفسنا وأبناءنا ومن حولنا ومجتمعنا على أن تكون أعيننا وتصرفاتنا أعين رضا وتتغافل عمَّا لا يستحسن وصغائر الأمور؟
إن خلق وسلوك التغافل هو مهارة وليس مجرد طموح أو سلوك وقتي أو تقليد أو بل يجب أن نعلم أنه إيمان وقيمة ومهارة يجب أن تُمارس في كل أمور حياتنا في المنزل، وفي الحياة الأسرية والمدرسة والمجتمع.
فهي تُساهم في تجنب الكثيرين من الوقوع في مشكلات، وتُساهم في الطمأنينة، وبث السعادة النفسية والاجتماعية، ويا لها من قيمة وسلوك ومهارة والحديث طويل ومستمر عن كيف نبني ونتعلم ونطبق هذه المهارة وهذا الخُلق ؟
إنه ببساطة من خلال دستورنا القرآن الكريم وما ورد من تفسيرات وأحاديث مُجمع عليها، ومن النماذج المختلفة عبر التاريخ ومن الأسرة والمعلم والمدرسة ببرامجها ومناهجها المختلفة، وعبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة وبالله التوفيق..