إن المعلم هو أمل كل أمة تنشد التقدم والازدهار، فرسالته من أسمى الرسائل وأشرفها، فعلى يديه يتم تربية الأجيال الناشئة، وتعليمهم، وتزويدهم بمختلف المعارف، هو من يجعل منهم عقولًا مبدعة، ومفكرة، ومنتجة، تستطيع أن ترتقي بمستقبل بلادها، وأمتها.
فقبلَ أكثر من اثنتين وتسعين سنةً وقفَ أميرُ الشعراءِ أحمد شوقي في حفلٍ مَهِيبٍ، أقامتْه مدرسةُ المعلمين العُليا بالقاهرة، وهي مدرسةٌ كانتْ تخرِّجُ المعلّمين وتُعِدُّهم لأداءِ رسالتِهِم.
وَقَفَ شوقي يومَها وأنشدَ قصيدتَهُ الذَّائعةَ (قم للمعلم)، والتي سَرْدِ فيها سلسلةِ نورانيةِ من المعلمين الأنبياءِ – صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهم- بيّن فيها شوقي الصلةِ الوثيقة بين الأنبياء وهذا المقامِ التعليميِّ الكبيرِ:
سُبحانَك اللهمَّ خيرَ مُعلِّمٍ
علَّمْتَ بالقلَمِ القُرونَ الأولى
أرسلتَ بالتوراةِ موسى هاديًا
وابنَ البتولِ فعلَّمَ الأنجيلا
وفَجَرْتَ يَنبوعَ البيانِ محمدًا
فسَقى الحديثَ وناولَ التنزيلا
إنها دعوة قوية من “شوقي” تصف المعلم بأنه رسول من عند الله؛ حيث يرى أن من يبني العقول، يستحق تلك المكانة العظيمة.
إن المعلم الحقيقي لا يقتصر دوره على تلقين الطالب معلومة معينة، بل يتجاوزها إلى آفاق كثيرة تسهم في صناعة الطالب وارتقاء نموه الذهني.
دعاني للكتابة إصدار جميل أهداه لي أخي الكريم التربوي ورجل الشورى الأسبق سعادة الدكتور “عبد العزيز بن عبد الرحمن الثنيان”، بعنوان: “والمعلم شيء”؛ ركز فيه سعادته على الدور الهام والرئيس الذي يقوم به المعلم في تربية النشء، وفي العملية التعليمية برمتها، أقتبس منه الآتي:
(إن الحديث حول رفع كفاءة التعليم يتجدد كل حين، والمجتمع بكافة أطيافه يحمل هم التعليم؛ فكل بيت مرتبط بالتعليم، فلا أغلى ولا أعز من الأولاد، كيف لا وهم فلذات الأكباد.
لقد تعددت الأفكار والآراء حول تطوير التعليم، واستنزف الحديث عن المناهج ومراجعتها أغلب تلك الآراء، إلا أنني أرى أن الأهم في التطوير هو (المعلم)، فهو فارس الرهان، أعطني معلمًا ولو تحت شجرة!.
ذات يوم وأنا أقرأ في القرآن الكريم، استحضرت هاجس التعليم وتطويره، واستوقفتني بعض الآيات الكريمة، فوجدت فيها إضاءات وهدايات تتعلق بالمعلم؛ فبضاعته الفكر، وميدانه العقل، هو مع الحياة والروح، وليس الجماد والمادة، فكيف نرفع من كفاءته، ونزيد من دافعيته؟)، “انتهى الاقتباس”.
فالعلم يصنع وطنًا، كما وصفه المفكر والكاتب المصري الكبير “جلال عامر”، حين قال: (إن الزراعة تسد الجوع، والصناعة توفر الاحتياجات، لكن التعليم يزرع ويصنع وطنًا)، من أجل ذلك كان الاهتمام بالتعليم، و(المُعلم) على وجه الخصوص، من أهم أسباب ازدهار وتقدم الأمم.
فهذا مؤسس سنغافورة وباني نهضتها “لي كوان”، يقول في كتابه بعنوان “قصة سنغافورة”: (أنا لم أقم بمعجزة، أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم، وغيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في سنغافورة، فالمعلم هو من صنع المعجزة، هو من أنتج جيلًا يحب العلم والأخلاق، بعد أن كُنا شعبًا يشتم بعضه في الشوارع).
وصدق الإمام الشافعي-رحمه الله- حين قال:
إن المعلِّمَ والطبيبَ كلاهما… لا يَنصحانِ إذا هُما لم يُكْرَما
فاصبرْ لِدائكَ إن أهنتَ طَبيبَهُ … واصبرْ لِجهلِكَ إن أهنتَ مُعَلِّما