رحل الدكتور عبدالله بن سالم المعطاني؛ وقد خلف إرثًا ثقافيًا ومخزونًا أدبيًا.. ناهيك عن المناصب التي تولاها ووضع فيها بصمة المخلص والخادم لوطنه وأمته.. فقد كان أستاذي في اللغة العربية بجامعة الملك عبد العزيز عندما كنا ندرسها كمتطلب عام في قسم الإعلام.. ولم يكن يغدق علينا بالدرجات على المذاكرة “صم الكتاب”، ولكن على فهمنا وفكرنا المتنامي بخلطته السحرية؛ ومع العلم أن علاقتي به كانت علاقة الطالب بالمُعلم.. ولم أحظَ بالتغلغل في شخصيته والخوض في إقامة علاقات شخصية معه؛ كما يلجأ إليها الطلاب لكسب مودة أساتذتهم وضمان التحقيق لمستوى متقدم في المقررات التي يدرسونها.. إلا أنه كان نصيبي في مقرر اللغة العربية “101” هو درجة ممتاز “A+”؛ لعشقي للغة العربية وفهمي لما يدور في المحاضرة؛ إلى جانب ممارستها الميدانية خلال عملي وبداياتي الصحفية في مختلف المؤسسات الإعلامية.
إن المتابع لمسيرة المعطاني الفكرية علمًا وثقافة وأدبًا.. يجد الفراغ الكبير الذي تركه على الساحة؛ فهو المتصدر للمشهد الثقافي، والغزير بالطرح المؤثر؛ ولا غرابة في ذلك فمكانته الأدبية والنقدية والأكاديمية شاهدة على هذه المكانة العالية التي وصل إليها.. فهو صاحب مبادرة أكاديمية الشعر، ووقف لغة القرآن الكريم، وكرسي الاعتدال، وجائزة الأمير عبدالله الفيصل.. ناهيك عن إبحاره في الحقل الأكاديمي أستاذًا بقسم اللغة العربية بجامعة الملك عبد العزيز.. وعرفه نادي جدة الثقافي الأدبي محاضرًا وعضو مجلس إدارة ورئيس جمعية الثقافة والفنون بمحافظة جدة.. مما وثق تجربته الثقافية العميقة ومكانته الأدبية والنقدية؛ ولم تصرفه المناصب عن مُلاعبة ومداعبة جمال العبارة، في صياغة أجمل قصائد الشعر.. التي أحفظ منها أهم قصيدة في ديوانه الشعري والتي قيلت في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز –حفظه الله- التي جاء فيها:
يا خادم البيتين أنت إمامنا.. إشعاع وجهك فطنة وذكاء
اهنأ بشعب مخلص في حبه.. الحب في شيم الرجال وفاء
إنه رجلٌ استثنائي بمعنى الكلمة، ويكفي أنه شغل منصب نائب رئيس مجلس الشورى بمرتبة وزير من 2 يونيو 2018م إلى أكتوبر 2020م، وعضو مجلس الشورى لثلاث دورات متتالية “من 2009م/ 1430هـ إلى 2022م/ 1442هـ”؛ وفي المجال الإنساني المشرف العام على هيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة من 26 جمادى الآخرة 1427هـ إلى 26 ربيع الأول 1431هـ؛ ومن مخرجاته وأعمال التأليف لديه “النقد بين المسافة والرؤية” الصادر عام 1994م، و”ابن شهيد الأندلسي وجهوده في النقد الأدبي” 1994م، و”قراءة جديدة للموشحة الأندلسية” 1999م، و”عروض نقدية في الأدب السعودي”.
بوفاة الدكتور عبدالله المعطاني نفقد عَلمًا من أعلام بلادنا وأديبًا كبيرًا له من الجهود الواضحة خلال مسيرته الثقافية والأكاديمية.. والتي تجاوزت النطاق المحلي.. إلى العربي والعالمي؛ وباتصافه بالهدوء والاتزان.. انعكس ذلك على كتاباته الثقافية ومشاركاته المنبرية؛ مما جعله شخصية استثنائية؛ من حيث الثقافة والحضور والتعامل الإنساني.. شخصية نالت ثقة ومحبة الجميع؛ وفي مقدمة ذلك ثقة ولاة الأمر.. بتقلده لعدد من المناصب القيادية بمختلف مهامها.. بل وكان -رحمة الله- على علاقة قوية مع كافة الأطياف الثقافية وعلى صلة وثيقة بالمشهد الثقافي المحلي والعربي؛ ومن طابعه المميز حيويته وفاعلية مشاركاته، وبُعده عن الصراعات والشللية والمشاحنات مخلصًا لعلمه وثقافته.. بعبارات الأسى ومعاني الحزن والألم التي تعصر سويداء قلبي وتخيّم على مشاعري.. لا أدري ماذا أكتب؟! في حق أستاذي.. فقيد الوطن والأدب والثقافة.
رحم الله الدكتور عبدالله المعطاني.. الرجل الوفي المخلص.. ونسأل الله أن يعفو عنه ويدخله فسيح جناته.. ويسكنه الفردوس الأعلى.
0