رحل رجل الإبداع، مهندس الكلمة، صانع الجمال، الذي ينبض مشاعرية متدفقة وبوحًا صادحًا، رحل ورحلت معه الكلمات العذبة، الألحان الساحرة، المعاني المعبرة، النغم المطرب الذي تهتز له أوتار القلوب نشوة وحبورًا .. رحل ورحل معه زمن كاد أثيره يتراقص طربًا .. رحل لكن ذكراه لم تغب .. نتاجه الشعري يزداد وهجًا، ليظل أسطورة تتوارده الأخبار، وليبقى شعره لحنًا صادحًا في كل الأرجاء، وستظل كلماته محفورة في الأسماع، مكتنزة في ذاكرة الأجيال!!
رحل سيد الكلمة، أمير الشعر “أنشودة الوطن” الرجل الاستثنائي كما يطلق عليه الأمير خالد الفيصل!!
مانشدت الشمس عن حزن الغياب
علَمــتنا الشمس نرضى بالرحـــيل
“بدر” كبدر السماء ساطع يضيء الليالي بروعة شعره، ببساطة أسلوبه، بتلقائية فاخرة زاخرة كبحر ليس له ساحل، بذكاء بارع، بألق فارع، بإبداع متفرد، بانتقاء فاتن، بتعابير شائقة، بصور خيالية تشدو بلوعة الوجد ورهافة الحس ورقة المشاعر، تتلون بلون الطيف، وحينا بلون الشفق، لتبدو مبهرةً مدهشة تذهب بالألباب؛ روعة واتساقًا، تناغمًا ونغمًا، تجاذبًا وسحرًا!!
إنه بحق البدر في اكتماله .. الضياء في شدة وهجه، البهاء في روعة وجده، الجِدة في توليد المعاني واختلاق الصور، ودقة النظم وحلو النغم، وما قصيدة الوطن:
فوق هام السحب وإن كنت ثرى
فوق عالي الشهب يا أغلى ثرى
إلا خير دليل على تلك الشاعرية الخصبة؛ وذلك النهر الهادر المتدفق بقاموس ثري متجدد لا ينضب، لتبتهج معه الأنفس فرحًا ومرحًا طيلة أعوام خلت!!
وهاهي بذات القدر تنعي “البدر” الذي كان أنيسها ردحًا من الزمن- أسًا وحسرة، بعد أن غابت شمسه وأظلمت ليالي الفرح التي طالما ابتهجت بروحه وبوحه!!
وها قد نعى نفسه عندما شعر بدنو أجله، ليضرب أروع الأمثلة في الصبر والاحتساب، بل في الثقة بالله وحسن الظن، إذ لم يعد يخشى الموت ككابوس مرعب بقدر ما هو انعتاق من احتباس المرض؛ ليذهب لرحابة المغفرة والرحمة والرضوان في ضيافة ربٍ رحيم ودود، غفور حليم!!!
لابدّها يا سعود بتغيب شمسي
ذي سنةٍ رب الخــلايق فرضها
ولعلها حريتي بعــــد حبسي
ولعلي ألقى عند ربي عوضها
رحم الله فقيد الوطن وصوته العذب الندي، وروحه الشفيفة الجميلة، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنان!!
عزاؤنا لقيادتنا وللأسرة المالكة وللشعب السعودي والعربي، ولكل محب للبدر الروح والريحان العطر!!