المقالات

إرشادات في زمن الاختبارات

أيها الطالب:
هذه الأيام العصيبة على الطلاب- أعني زمن الاختبارات- خاصة لمن كان مُقصرًا منهم يحتاج فيها الطلاب إلى الطمأنينة وحسن التوجيه وصالح الدعاء، ولعلها تكون دروسًا لمن أدرك قيمة الوقت متأخرًا، والذي يراه الطلاب أنفس ما يكون زمن الاختبارات ويرجو أحدهم أن يُعطى ساعة بل دقائق قبل الاختبار ليراجع.

قال الوزير يحيى بن هبيرة البغدادي -رحمه الله- وأحسبه يعني طلاب العلم المقصرين:

والوقْتُ أَنْفَسُ ما عَنِيتُ بِحِفْظِهِ
وَأَرَاهُ أسهَلَ ما عليك يَضِيعُ

وهذه إضاءات علها تنفع الطلاب زمن الاختبارات وبعدها:

– اعلم أيها الطالب النجيب أن التلخيص للدروس هو الطريقة المُثلى التي تُـنقذك عند ضيق الوقت، فالتلخيص أيام الاختبارات شاق وصعب، وأثره ونفعه محدود لأنه يكون على عجل، فالتلخيص النافع للدروس يحتاج دراسة متأنية وفهمًا متقنًا وتدريبًا كثيرًا وزمنًا واسعًا ويكون بعد كل محاضرة تعطى، ليخرج الطالب بعد ذلك بكلمات يسيرة معبرة عن المعنى الكثير في مادته ويكون محيطًا بتلك الكلمات، وخير ما ننصح به الطالب الذي لم يكن يكترث بالمراجعة أيام الدراسة والتلخيص أن يستفيد من أصحابه المتميزين ليأخذ منهم خلاصة ما فهموه، وعصارة ما كتبوه، ويجلس معهم إن أذنوا له – فغالب المتميزين يختفون عن الأنظار أيام الاختبارات ويعتزلون الأصحاب ويغلقون على أنفسهم الأبواب فالكل يقول نفسي نفسي – هذا اللقاء بالمتميزين إن تيسر- سينفع الطالب ليتدرب على أهم المسائل.

– أيها الطالب خصص وقتًا للمرور على الاختبارات السابقة علها تضيء لك طريقًا قد استوحشه أو تدلك على مخرج قد استغلق عليك فهمه؛ فإن غالب الاختبارات هي خلاصة ما يريد الشارح من الطالب فهمه.

– أيها الطالب احرص على الاستفادة من كل ثانية في الليلة أو الليالي التي تُسبق الاختبارات ففيها أحيانًا فتوحات ربانية، وبركات وتوفيق من رب الأرض والسماوات قد لا تجده في غيرها من الليالي؛ خاصة إذا ألح الطالب على الله بالدعاء وهو مضطر، ودعوة المضطر مستجابة (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) (سورة النمل الآية 62)؛ لذلك ننصح الطلاب جميعًا بالدعاء بعد كل صلاة والإلحاح على الله بالتوفيق؛ فإن الله بيده التوفيق وبيده السداد والرشاد؛ فإياك أن تغفل عنه أيها الطالب المضطر أعني الدعاء؛ فهو سلاح المؤمن في رخائه وشدته وعسره ويسره مع الحوقلة والاستغفار والتسبيح عند مشيك للصلوات، وسيرك للاختبارات وقيادتك للسيارة؛ ففيها بركات عظيمات وقد جربها أصحاب الكربات؛ فنجاهم الله من الهلكات وإن شئت اقرأ قصة سيدنا يونس -عليه السلام- لما كان في بطن الحوت وما كان له إلا نداء واحد (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). فكل طالب مقصر مفرط هو من الظالمين لنفسه فما أحوجه لتسبيح سيدنا يونس -عليه السلام- لينشرح صدره، واستغفار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتفرج كرباته.

– احرص أيها الطالب على إغلاق جميع وسائل التواصل إلا ما احتجته لبحث مسألة أو للسؤال عنها؛ وغالب الإخفاقات وضياع الأوقات والزهد في الشروحات والملل من المراجع الطويلة سببه الجوالات ووسائل التواصل، فكم بسبب هذه الوسائل فسدت الأخلاق، وضاع الحياء، وتعلم صاحبها الجرأة على القيم والدين، وكم بسببها تشتت الأسر وانهدمت القيم وكثرت الخيانات التي كانت هي السبيل إليها.

ولقد رأيت مرة طالبًا لا يستخدم إلا جوال الاتصال – نوكيا – فسألته عن سبب ذلك فقال: كان لدي إيفون ضيع وقتي وانحدر معدلي من ٣.٧٥ إلى ١.٥ فلما هجرته هاهو المعدل ارتفع وتجاوز ٣ …فهنيئًا لكل طالب هجر الجوال أو قلل استخدامه فإنه إدمان وضياع ومشغلة عن العلم.
– احرص أيها الطالب على النوم المبكر؛ فذلك خير مُعين على التركيز في الاختبارات، وغالب من يسهر أو يواصل تجده في الاختبارات عاجزًا عن التركيز متشتت الذهن مصدع الرأس أشعث أغبر ثائر الشعر كأنما هو في حرب وأنى له أن ينتصر فيها وهو مهدود القوى ضعيف البدن قلق مكتئب خائف.
– النوم المبكر خير ما نوصي به الطالب حتى لو لم يكمل دروسه؛ وليستيقظ قبل الفجر بساعة يصلي ركعتين ويستغفر ويدعو ربه فهو وقت استجابة للدعاء عند السحر ثم يواصل المراجعة بعدها.
– النوم المبكر أحد أسباب الصحة النفسية وراحة البدن ونضارته وحرق دهونه وجمال منظره. وإن الذي يسهر بعد ١١م يحرم نفسه إفراز هرمونات السعادة، ومنها الميلاتونين والتي تفرز بين ١١م و٤ فجرًا والتي يجب أن يكون فيها الإنسان نائمًا لتفرز، فإذا سهر لم تفرز وإذا استمر زمنًا يسهر الليالي؛ فإنه يكون أكثر عُرضة للأمراض النفسية كالقلق والاكتئاب؛ لأنه حرم نفسه الطمأنينة التي تكون من إفراز هذه الهرمونات؛ بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية والكسل والخمول والذهاب للمحاضرات مشوش الذهن ونعسان العينين ومصدع الرأس بسبب قلة النوم أو المواصلة، فأي علم يُرجى أن يأخذه الطالب وهذه حالته.
– لذلك فإن أعظم أسباب تدني مستوى الطلاب هو السهر، فإن أردت حياة فيها طمأنينة وصحة إياك والسهر بعد ١١م إلا للضرورة ولأيام قليلة بحيث يكون غالب وقتك النوم عند ١١م أو قبلها، هكذا كانت حياة العباقرة والمبدعين والصالحين والسعداء.

– أيها الطالب تناول وجبة الإفطار الغنية بالبروتين كالبيض والفول والعدس والخضراوات لتشبعك زمنًا طويلًا، وتناول حجم قبضة اليد من المكسرات وعلى رأسها الجوز واللوز والكاجو والفستق والزبيب؛ فكلها ضرورة لتقوية بدنك وتنشيط ذاكرتك، ولقد رأيت طلابًا يختبرون والجوع يعتصرهم بل يقتلهم حرموا أنفسهم الطعام بسبب الاختبار وهمه سد نفوسهم، فكانت النتيجة أن انشغلوا بجوع بطونهم وصداع رؤوسهم الذي يسببه الجوع وقت اختبارهم؛ فكانت النتيجة دون المأمول.

– أيها الطالب حضور الاختبار مبكرًا ضرورة – قبله على الأقل بربع ساعة – فذلك يُساعدك على الطمأنينة وعدم السرعة في الطريق؛ لتدرك الاختبار وربما تعرض الطالب -لا قدر الله- لحادث إن تأخر في خروجه من بيته. اخرج من بيتك مبكرًا لتدرك الاختبار من أوله لئلا يفوتك شيء منه؛ فغالب المتأخرين يندمون لأن كثيرًا من الأسئلة لم يسعفهم الوقت لحلها، وربما منعوا من دخول قاعة الامتحان إذا جاءوا بعد منتصف الوقت.

– أيها الطالب أثناء الاختبار ابدأ بما يسهل عليك حله وأجّل ما يصعب أو ما احتاج إلى وقت خاصة أن الأسئلة الموضوعية – التي ابتلينا بها وسببت ضعفًا علميًا للطلاب – تتساوى فيها درجة السؤال الصعب والسهل والطويل والقصير، وهذا من عيوب إعدادها؛ إذ إن التساوي في هذا الموضع ليس فيه إنصاف لكن هكذا جرت عادة كثير من واضعيها.

– أيها الطالب احمل أدواتك معك كاملة غير منقوصة من أقلام ومراسم ومساطر وآلة حاسبة وتأكد من أنها جميعًا تعمل بشكل جيد؛ فأحيانًا تقع مفاجآت وقت الاختبار من فراغ حبر قلم أو تعطل آلة حاسبة أو عدم قدرة على استخدامها لعدم التدرب عليها مما يحوجك إلى الاستعارة وقد لا تجد أحدًا يعيرك أو يعيرك بعد زمن؛ فيضيع عليك وقت أنت أحوج ما تكون إليه. تثبت قبل خروجك أنك أخذت أدوات الحرب (الاختبار) كاملة.
– أيها الطالب تجنب كثرة التلفت أو الغش فكل ذلك عاقبته وخيمة، وربما يسجل عليك محضر غش لمجرد أنك تحمل برشامًا أو تنظر جوالًا أو ساعة أو سماعة تتواصل بها مع العالم الخارجي. ولقد بلغت الجرأة ببعض من يغش أن يصور الأسئلة في غفلة من المراقبين أو تساهل ويبعث بها لصديق أو أستاذ ليأتيه الحل، وربما استعان بصديق ليحل محله يوم الاختبار؛ خاصة في حالة عدم التدقيق في هويات المختبرين. كل هذه كانت عاقبتها وخيمة على الطلاب من فصل مؤقت أو فصل دائم فيضيع مستقبل الطالب بسبب هذه السلوكيات الممنوعة نظامًا المُحرمة شرعًا.

– أيها الطالب لا حاجة بك أن تراجع الحلول بعد خروجك من الاختبار بل تناسى الاختبار، واجعله خلف ظهرك واشرع في مادة الغد لئلا يشتت الحزن قلبك على ما سبق فتقصر في مادة الغد، فالحزن أعظم المشتتات؛ لذلك تجنب أسبابه ما استطعت بل وتجنب كل من يسبب لك الحزن في مثل هذه الأيام العصيبات، يمم وجهك بعد الاختبار إلى بيتك، وخُذ قسطًا يسيرًا من الراحة ثم انهض لمادة الغد.
– عند ظهور النتيجة انظر ما فيها من علو للدرجات؛ فاثبت على أسبابه وما فيها من دنو للدرجات فابحث عن أسبابه وتجنبها؛ ولتأخذ منها درسًا في باقي فصولك الدراسية.

اللهم وفق طلاب العلم، واشرح صدورهم، وخُذ بأيديهم، وارشدهم واهدهم وافرح قلوبهم، وثبتهم على الهمة العالية.

إضاءة
سألت طالبًا في عام ١٤٢٤ عن سبب تدني معدله مع ذكائه الحاد، فقال: إن أباه قد مات وهو يشتغل ليؤمن لعائلته لقمة العيش فانشغل قليلًا عن الدراسة. فقلت له حري بمثلك أن يكون أستاذًا في الجامعة. ودارت السنون ثم قابلته في مؤتمر وما ميزته، فجاء معانقًا بحرارة وقال: أنا الطالب فلان الذي قلت له يومًا: “حري بمثلك تكون أستاذًا في الجامعة…” ها أنا ذا أستاذ بها في الفيزياء، بفضل الله ثم كلماتك المُحفزة التي وقعت في قلبي فجزاك الله خيرًا….

اصنع بكلماتك المُحفزة حياة.

أ.د. عمر بن عبدالله الهزازي

أستاذ الكيمياء بجامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى